تستمر قراءة المؤشرات فى تأكيد أن حربنا على الإرهاب طويلة وأن المخططات الداعمة للتقسيم وإحداث الفوضى بالإقليم العربى طموحة ولا تيأس، على العكس من قدرتنا وإدراكنا وإصرارنا على أخذ خطوات جادة للإصلاح، ولكن لماذا تخبو العزائم وتخور الهمم؟
جميعنا بغالبية واسعة نؤمن بالمؤامرة على مصر والإقليم بشكل عام، لكن قلة هى التى ستظل على تعاطفها مع سلطة أو دولة ترى فى أن الحلول الأمنية وحدها هى القادرة على إحباط المؤامرات وحفظ الأرض.
وحتى يظل الشعب على وحدته وتوحّده يجب أن يقنع بأن الفاسد لا يمر، وبأن الدولة تبصر بعين محبة آملة طريقاً ممهداً لمستقبل حر.
الأسماء فقدت دلالاتها، والكلمات لم تعد تفضى إلى معانيها، فلم نقف أمام اسم طلعت باشا حرب الذى حملته مَدرسة بمنطقة نائية بالعمرانية اعتدى عدد من طلابها على مراقبة فى محاولة للتحرش بها، لرفضها السماح لهم بالغش فى امتحان «الدين».
أولاً، استوقفتنى الدهشة التى غلبت على أقلام بعض زملاء المهنة بالإعلام، وتصدرت أهم موضوعات برامجهم، كأن الحادث المشين وقع دون مقدمات، وكأنهم لا يطالعون صفحات الحوادث التى يحررها زملاء لهم، أردت أن أذكرهم بأن منابر البعض منهم كانت وقوداً يبرر التحريض والتمييز ويعطى الحق للمواطنين بأن يكونوا ولاة يفتشون فى نوايا بعضهم البعض، يتهمون من أرادوا بالخيانة ويشون بمن يَرَوْن أنهم مستحقين للوشاية، ويجب ألا نغفل أن نشر أخبار الجرائم المشينة بتفاصيل درامية مثيرة وتكرار ذلك يشكل وعياً فاسداً بقبول تلك الجرائم كجزء من طبائعنا ويحول الاستثناء المُخجل إلى واقع بائس، ما نلبث أن نعتاده.
ثانياً، الإجراءات الرادعة من حرمان الطلاب المذنبين من امتحان الشهادة الإعدادية وطرح إجراء فصلهم عاماً أو أكثر إلى جانب استبعاد مدير الإدارة التعليمية لإخفائه الواقعة وتوقيع عقوبة على رئيس اللجنة، ضرورة وواجب، لكن العقوبة وحدها لن تهذّب المجتمع.
ثالثاً، لماذا تصبح المجتمعات أكثر وحشية؟
- المجموعة تحقق الأمن للفرد أكثر من الدولة:
عندما تضعف الدولة ومعها القانون والنظام والمجتمع المدنى، لا يبقى إلا سبيل أوحد للبقاء هو المجموعة، سواء كان قوامها الدين أو العنصر أو السياسة أو القبيلة، تحل المجموعة محل الدولة وتحقق الأمن للأفراد فيدافعوا عنها وعن وجودهم مهما كلفهم الأمر من انتهاك لحقوق آخرين لا ينتمون إلى مجموعتهم، لأنهم ببساطة يتحولون إلى أشياء لا إلى شركاء فى الوطن.
- العنف يولد العنف:
سوء المعاملة وعدم التعاطف والقسوة هى ردود فعل شائعة ومتوقعة لمن عانوا من سوء المعاملة وذاقوا الحرمان، فكان الأجدر بمن روّج ونشر أن الأطفال ممن قاموا بالفعل المشين بلطجية يتم تأجيرهم من قبَل الإخوان فى المظاهرات، أن يكون أكثر إنصافاً لمجتمعه.
العنف طريق للتطرف، والحرب على الإرهاب لا تستهدف من يرفعون السلاح فقط، بل تبدأ بمن يقفون على عتبات الطريق، الحلول التى لا تجفف المنابع حلول تستهلك الأمة ولا تنجز شيئاً سوى أن تغلق علينا دائرة لا نعرف نهايتها للخلاص.
اترك الإرهاب جانباً، هل يُعقل أن تكافح الدولة مرضى فيروس سى بمعالجة مصابين يتجاوز عددهم ١٤ مليون مريض وتترك المسببات قائمة لتزيد عدد المرضى بأكثر من ٣٠٠٫٠٠٠ مريض جديد كل عام.
الإرهاب كالفيروس المستعصى كالسرطان الذى يحتل الجسد ويفسده وإجراءات الوقاية لا تقل حسماً، بل ربما هى الأفعل للنجاة أو للشفاء، يوماً.