انفراد.. بالتفاصيل| أحداث يوم "25 يناير" من قلب أمن الدولة
أربعة أعوام ونصف مرت على اندلاع ثورة «25 يناير» التى أطاحت بـ«مبارك وأركان نظامه» من الحكم، ثورة هزمت فيها حناجر الشباب وإرادتهم قهر الرصاص والغاز المسيل للدموع، لتلقى -بعد نجاحها بأيام- بنظام حكم كامل إلى السجون، والاتهامات كانت حاضرة بالعشرات: قتل متظاهرين، وفساد مالى، واستيلاء على المال العام.
وعلى الرغم من مرور تلك السنوات والمحاكمات لـ«مبارك» ورجاله - وفى المقدمة منهم حبيب العادلى ولواءاته- فإن ما أفرج عنه من وثائق ومستندات ومعلومات عن تعامل الرئيس الأسبق ونظامه وجهاز مباحث أمن الدولة مع تحركات الشباب وثورتهم بقى «مخفياً فى ركن بعيد» لا يقبل الاقتراب أو الإفصاح عنه، وفى المقدمة من تلك المعلومات والمستندات تلك التى تجيب عن الأسئلة: كيف كان يدير جهاز مباحث أمن الدولة الموقف؟ وماذا كانت نصائحه لـ«العادلى» و«مبارك» طوال أيام الثورة وحتى لفظ النظام أنفاسه وسقط نهائياً فى الحادى عشر من فبراير عام 2011؟
«الوطن» استطاعت -كما عودت قراءها- أن تخترق ما يعتقده البعض مستحيلاً، وحصلت على مجموعة من الوثائق والمستندات الخاصة والخطيرة تحمل خاتم «سرى جداً»، وهى عبارة عن المكاتبات والمراسلات التى بعث بها اللواء حسن عبدالرحمن، رئيس جهاز مباحث أمن الدولة، إلى اللواء حبيب العادلى، وزير الداخلية، للتصرف واتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة المتظاهرين والشباب المنتشرين فى الشوارع والميادين يهتفون بسقوط النظام، ويطالبون بـ«العيش والحرية والعدالة الاجتماعية».
من الوثائق التى حصلت عليها «الوطن» مكاتبات رئيس جهاز مباحث أمن الدولة إلى وزير الداخلية، التى جاءت تحت عنوان «فى إطار متابعة مسار الموقف بالنسبة للتحركات الاحتجاجية التى تعتزم عدد من القوى السياسية تنظيمها اليوم بالتزامن مع الاحتفال بعيد الشرطة ببعض محافظات الجمهورية بدعوى تردى الأوضاع السياسية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية».
تقارير الجهاز لرصد الأحداث تم تقسيمها إلى محافظات، بحيث يتم رصد أحداث كل محافظة على حدة، وتضمّن التقرير الأول فى يوم 25 يناير الذى كُتب عليه «مسير1» كان لمتابعة الجهاز لجميع التظاهرات وحصر المشاركين فيها وذكر عددهم ومكان تجمعهم، وأوضح أن «المظاهرات بدأت بـ3 محافظات هى القاهرة والإسكندرية وشمال سيناء»، وأورد أن «10 متظاهرين وُجدوا فى نقابة المحامين و15 بنقابة الصحفيين و5 أمام دار القضاء العالى و7 بميدان روكسى بينهم الدكتور الإثارى يحيى القزاز والشيوعيون شاهندة مقلد ونورالهدى زكى، وأنهم يوزعون بيانات تدعو المواطنين للمشاركة فى المظاهرات بدعوى تفشى الفقر والبطالة والفساد فى عهد القيادة السياسية، ويطالبون سيادته بالتنحى عن الحكم، بالإضافة إلى العثور على كرتونتين بمدخل عقار مركز هشام مبارك للقانون بمنطقة التوفيقية بهما 200 بوستر بمساحة متر تحمل شعار حركة كفاية وعبارات مناهضة وأنه تم التحفظ عليها».
أما فى الإسكندرية -حسب التقارير- فـ«بدأت التجمعات فيها بأستاذ بكلية الهندسة ومعه 3 فتيات أمام ديوان عام المحافظة يحملون لافتات مكتوب عليها: يا ريس كبرت وعجزت ودى سنة الحياة وكفاية بقى على صحتك.. أرجوك لا تقل لنا مفيش حد مناسب.. مصر ولادة»، وفى شمال سيناء «تجمع 35 من شباب القوى السياسية أمام مجلس محلى المحافظة وانصرفوا دون القيام بأى ممارسات إثارية».
ومع الساعات التالية وتزايد التظاهرات فى منتصف يوم 25 يناير، أرسل جهاز مباحث أمن الدولة خطابه الثانى إلى حبيب العادلى حمل عبارة «مسير2» أخبره فيه بأن المظاهرات تتوالى فى محافظات القاهرة والإسكندرية والجيزة وأسيوط والإسماعيلية والسويس وأسوان والقليوبية وأنه يجرى متابعتها، وأن المتظاهرين يوجدون فى كل مكان. فى القاهرة «تجمع 400 أمام دار القضاء العالى وحملوا لافتات مدوناً عليها: مبارك ارحل.. ثورة حتى النصر فى كل شوارع مصر.. استشهاد استشهاد.. مرتبى 365 جنيه ونفسى آكل لحمة. ويرددون أيضاً هتافات إسقاطية على القيادة السياسية ورموز النظام».
وأخبر أمن الدولة حبيب العادلى أن «متظاهرين آخرين على الرصيف المقابل لدار القضاء العالى والدرج الخارجى لنقابة المحامين، ويهتفون لتأييد الثورة التونسية وكفاح الشعب المصرى، ويرددون الأغانى الوطنية، وأمام مصلحة الشهر العقارى بشارع رمسيس ويتزعمهم أيمن نور ورجل الأعمال رامى لكح، وفى منطقة دوران شبرا تم إلقاء القبض على متظاهر يعمل صاحب ورشة نجارة أثناء تردده على ميدان التحرير وهو يرفع لافتة مكتوباً عليها: يا حكومة عايز أكون مناضل مش متطرف».
وفى الجيزة، أفاد الجهاز فى تقريره: «تجمع المتظاهرون أمام مسجد مصطفى محمود، و20 شخصاً أمام مقهى سيلنترو يهتفون: لا للفساد لا للتعذيب»، وفى أسيوط رصد الجهاز مظاهرات بالحوارى، أما متظاهرو الإسماعيلية فيهتفون «ارحل ارحل.. امتى يا شعب تثور وتقوم.. بعد ما تونس شافت النور».
أما فى السويس، فرصدت التقارير أن هناك «تجمعات بميدان الإسعاف، وأن المتظاهرين بينهم ناصريون ويساريون ومنتمون لحزب العمل وإخوان»، وفى أسوان «تظاهر المواطنون أمام محطة السكك الحديدية، والمشاركون فى المظاهرات إثاريون ويهتفون ضد القيادة السياسية والحزب الوطنى ووزارة الداخلية»، وفى القليوبية «بدأت التجمعات أمام مقر حزب التجمع بمدينة بنها».
وفى تقريره الثالث، ذكر جهاز مباحث أمن الدولة أن محافظتى كفر الشيخ ودمياط انضمتا لقائمة المحافظات التى بدأت فيها المظاهرات التى تم رصدها، وحدد الجهاز المشاركين فيها وأعدادهم، وقال إن القاهرة «بدأت مظاهراتها تتجه ناحية مقر الحزب الوطنى بكورنيش النيل ومبنى الإذاعة والتليفزيون، وبدأت التجمعات أمام نقابة الأطباء، وإن القيادى عبدالمنعم أبوالفتوح انضم للمتظاهرين وإن المتظاهرين يهتفون: يا بن على قول لمبارك.. الطيارة فى انتظارك، وإنهم -أى المتظاهرون- يؤكدون اقتراب ساعة التغيير، وبدأوا يكسرون حاجز الخوف ويتصدون للنظام وإنهم ما زالوا مستمرين».
وفى التقرير الثالث من حسن عبدالرحمن إلى حبيب العادلى، والذى حمل رقم «مسير 3» أورد أن المتظاهرين فى القاهرة «تمكنوا من دخول ميدان التحرير بعدد 5 آلاف شخص، وأن 150 آخرين أمام نقابة الأطباء و500 أمام مقر جامعة الدول العربية، وأن قوات الأمن تمكنت من تفريق المتظاهرين أمام دار القضاء العالى بعد القبض على 70 منهم، وأن كمال أبوعيطة يخطب فى المتظاهرين بميدان التحرير مطالباً باستقالة القيادة السياسية وإقالة وزير الداخلية وحل مجلس الشعب وتشكيل حكومة ائتلاف وطنى ويؤكد أن المتظاهرين سيعتصمون لحين تنفيذ تلك المطالب فى حين وجد الصحفى الإثارى إبراهيم عيسى، رئيس تحرير جريدة الدستور سابقاً، بين المتظاهرين وأنه ينسق مع العناصر الإثارية لصياغة بيان آخر للمطالبة بتنحى القيادة السياسية، وأن المتظاهرين يعلقون صورة مسيئة تتضمن رسماً متجاوزاً على أحد أعمدة الإنارة للقيادة السياسية معلق بحبل مشنقة».
وفى تقريره العاشر عن أحداث مظاهرات يوم 25 يناير الذى حمل عنوان «مسير 10» من مباحث أمن الدولة «أ. م. للتنظيمات» إلى مكتب السيد الوزير، قال حسن عبدالرحمن إن «المتظاهرين فى ميدان التحرير ما زالوا مستمرين وفى الإسكندرية أيضاً، بينما انضمت محافظة الغربية للتظاهرات بـ5 آلاف متظاهر بميدان الشون بالمحلة الكبرى، وإنهم يرشقون القطارات بالحجارة ويشعلون النيران فى الإطارات على شريط السكك الحديدية مما أدى لتعطل قطارين وتوقف حركة القطارات».
وتناول التقرير العاشر نتيجة رصد الجهاز لموقع التواصل الاجتماعى فيس بوك، حيث ذكر فى نهايته أنه «فى إطار مسار الموقف للتحركات الاحتجاجية اليوم 25 يناير فقد رصدت المتابعة إطلاق العناصر الإثارية دعوة على موقع فيس بوك تتضمن مطالبة المتظاهرين بتطوير تحركاتهم والاعتصام بأماكن تجمعهم وعدم فض التظاهرات إلا بعد تنفيذ مطالبهم برحيل النظام والعمل على إنهاك قوات الأمن ومحاصرة المقرات الخاصة بالحزب الوطنى وأمن الدولة والحكم المحلى».