عنوان هذا المقال هو اقتباس من كتاب قيم وجدير بالمطالعة حيث يوثق بداخله زميل الصحافة والإعلامى المرموق «يسرى فودة» تجربتين فى غاية الأهمية من مغامراته المتنوعة «القاتلة» فى الصحافة التليفزيونية وتحديداً «الاستقصائية»، وسبق وقدمهما فى حلقات على قناة «الجزيرة الوثائقية». وجدت العنوان هو أفضل توصيف للحالة التى تمر بها وزارة العدل بعد إقالة وزيرها السابق لتصريحه المهين لطوائف الشعب الدنيا والذى أصاب منها فى مقتل «عمال النظافة»، وأيضاً ما انتهت إليه الوزارة بتعيين المستشار «أحمد الزند» وزيراً للعدل.
لقد اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعى بمختلف أنواعها بسبب اختيار «الزند» للمنصب، وأخرجت له التصريحات الصحفية والتليفزيونية التى كانت فى أحيان كثيرة جداً مستفزة وتحمل من التعالى والغرور ما يجعل الكثيرين يصفون مشاعرهم بـ«الغثيان»، ومن بين ما أُخرج له تصريحه فى برنامج «مصر اليوم» مع الإعلامى توفيق عكاشة «نحن أسياد وما دوننا عبيد» وقصد هنا بكلمة «نحن» أى «القضاء والقضاة» ولأننى حسن النية ولا أتعامل مع الأمور بظواهرها فقد تفهمت ثورة الرجل آنذاك، فكانت بسبب الضغوط الشديدة التى تعرض لها الرجل بشكل شخصى والقضاء المصرى بشكل عام من قبل الجماعة الإرهابية وحوارييها.
ومع كامل احترامى للمستشار الزند وتقديرى الشديد للدور الإيجابى الذى قام به فى ثورة 30 يونيو، فالأمر لم يكن صحيحاً «من وجهة نظرى» والقرار بتعيينه وزيراً للعدل لم يكن موفقاً، ولدىَّ أسبابى التى دفعتنى لمعارضة هذا القرار، وأهمها ما عرف عن الزند «سريع الغضب، يحمل حمية غير متزنة أو رصينة أو عادلة لصالح القضاء والقضاة» حتى إن البعض يقرنه دائماً بالمستشار السابق والمحامى الحالى «مرتضى منصور» كنوع من الدلالة على الطباع والمزاج الانفعالى والمتقلب.
منصب وزير العدل لا بد أن يتولاه شخص هادئ الطباع ويحمل فطنة وحكمة فى اتخاذ قراراته التى تمس طوائف الشعب المصرى كله «وليس القضاة فقط»، يجب أن يتولى المنصب الذى حمل اسم «العدل» وهو من أسماء الله الحسنى التى ندعوه بها، شخص لم يعرف عنه «شيفونزمية» فى غيرته على القضاء، بل لا بد أن يتمتع بتلك الصفة للغيرة على الشعب المصرى بكل فئاته وطوائفه، الشعب الذى يعمل هو ونعمل نحن جميعاً من أجل خدمته وتيسير حياته اليومية، مع العلم بأنه الشعب الذى لم ينحَز له شخص بصدق سوى الزعيم الخالد جمال عبدالناصر.
وحقيقة ما يجرى يدفعنا إلى مطالبة المهندس «إبراهيم محلب» رئيس الوزراء بأن يطلعنا على المعايير التى على أساسها يقوم باختيار وزرائه، لأن الأمر أصبح يفوق القدرة على المعايشة أو «الصهينة»، فكان هو «محلب» نفسه الذى اختار لنا من قبل المستشار «محفوظ صابر» وزير العدل «المُقال» رغم الحالة الصحية التى كان يعانيها الرجل «ويعلمها الجميع» وكانت جديرة بأن تحول بينه وبين المنصب وربما يكون تصريحه الذى أثار الجدل بسبب تلك الحالة، وللعلم فقط تسببت علله الصحية فى عدم إدارته للوزارة منذ اليوم الأول لتعيينه، وهذا يدعونى لطرح سؤالين وهما: هل كان «محلب» يعلم كل ما سبق عن وزيره المقال أم لا؟، وهل قرار تعيين أحمد الزند بمثابة صفقة لإرضاء قيادات ورموز القضاء الذين ربما شعروا بالإهانة لإقالة وزيرهم بطريقة مفاجئة إرضاءً للشعب؟ والإجابة مطروحة فقط للمعنىّ بالسؤال.
فى النهاية يجب أن يعلم المهندس «محلب» والرئيس «السيسى» أن الشعب المصرى أصبح مستفزاً بطبيعته التى تبدلت للأسوأ منذ ثورة 25 يناير، فلابد أن تعمل الحكومة والرئاسة على عدم استفزاز الشعب بشكل أكبر، وأن يعلما أيضاً أن وزارة العدل بهذه الاختيارات السابقة والحالية، تثير أزمة لن تحيدها أبداً عن السير فى طريق الأذى.