هل آن أوان انتقالنا من مرحلة التشخيص التى استنفدت أربعة أعوام من عمرنا، وقبلها عشرات السنوات من وقتنا وجهدنا وأعصابنا، إلى مرحلة علاجية حقيقية؟ الجميع يتفق على أن الغالبية العظمى من جلسات المصريين الحوارية وتجمعاتهم الاجتماعية لا تخلو من بعض تنويهات وكثير من الإشارات إلى ما يعترى حياتهم من مشكلات وعراقيل، وما ينجم عنها من مزيد من المتاعب والمعاناة. والجميع يتفق على أن كل تفصيلة صغيرة وكل حقيقة كبيرة فى حياة المصريين فيها الكثير من العُقد والكلاكيع. والقائمة طويلة ومعروفة مسبقاً، حيث التعليم والصحة والبحث والعمل والنظافة والقيم والأخلاق والتدين والثقافة. والأعراض كذلك منصوص عليها فى كل جلسة مصرية صميمة أو مناقشة اجتماعية لطيفة، حيث الفساد وانعدام الضمير والبلادة والتواكل، وهى التى يختلف البعض فى تصنيفها، إما تحت بند «أسباب مباشرة لفساد الأنظمة وديكتاتورية الحكام» وإما تحت مسمى «العوارض الجانبية» المتوقعة لفساد الكبار، وإن كانت قلة قليلة تحمل مسئولية فساد الذمم وخواء الضمائر وشيزوفرينيا التعليل للأفراد أنفسهم الذين لا ينبغى أن يعلقوا إخفاقاتهم وفسادهم على الآخرين. وبغض النظر عن التصنيفات والتعليلات، يبدو السؤال الأهم هذه الأيام، وإن ظل منزوياً مختبئاً غير مطروح بين النخب وغير مرحّب به بين قواعد الشعب هو: أما وقد تعرّفنا إلى المشكلات وعلمنا بالكوارث وشخّصنا الأعراض وألممنا بالمغبات، فماذا نحن فاعلون؟ أما وقد اكتشفنا أن الجماعات الدينية -حتى إن ارتدت أرديتها الدعوية- تظل دولاً موازية فى داخل الدولة لا تهدف إلا إلى السلطة والسطوة، سواء كان ذلك تحت مسمى «دولة الخلافة» أو تحت مظلة إقامة شرع الله، وأن تابعيها ومتعاطفيها ومنتفعيها قد تربوا فى كنفها، وهم مؤمنون بها قبل الوطن ومتشبثون بدعائمها على حساب دعائم الوطن، فماذا نحن فاعلون؟ وأما وقد عرفنا أن نظامنا التعليمى أقرب ما يكون إلى الهياكل الكرتونية أو البيوت الرملية، حيث ما يزيد على 300 ألف تلميذ فى الصفين الثالث والرابع الابتدائى أحرزوا صفراً فى الإملاء، والتلاميذ صاروا منقسمين بين «مجموعة ألف» التى تعلم علم اليقين أن الغاية من المدرسة هى الحصول على ورقة اسمها شهادة، حيث لا علم ولا تعليم ولا تربية ولا تنشئة، و«مجموعة باء»، حيث يعلم التلاميذ أنهم يتعلمون بفلوسهم، والمعلمون يتخذون من وظيفتهم وسيلة للوصول إلى غاية المنى والمراد، حيث الدروس الخصوصية والمراكز التعليمية، إلخ. وكذلك الحال فى منظومة الصحة الكارثية التى طالت الجميع وما زالت، فباتت لا تفرّق بين غنى وفقير. فمن طبيب غلبته شراهة المال إلى تمريض قهره الفقر وانعدام المعايير وتبخّر الضمير إلى مهازل التأمين الصحى ومساخر المستشفيات الحكومية، وكذلك الاستثمارية بات المصرى يحمل هم العلاج أكثر من المرض نفسه. ومن الصحة إلى الشارع، حيث انهيار كامل للقيم وتفتت كلى للأخلاق وشيزوفرينيا المظهر المتدين مع المعاملات والسلوكيات والأفعال المارقة العنيفة الشاذة. ولا تفوتنا الإشارة إلى المرور، وما أدراك ما المرور. ضابط يظهر ظهوراً موسمياً، وعسكرى مشغول بهاتفه المحمول، وأمين لا يحصل سوى المعلوم، وقادة ميكروباص اعتنقوا البلطجة، وسائقو باصات عامة غير خاضعين للرقابة، وأصحاب ملاكى لا يعلمون عن القيادة سوى دوسة بنزين وضربة «كلاكس» مع قليل من الفرامل. القائمة طويلة جداً. والأمراض عويصة جداً جداً. والأعراض معقّدة ومتشابكة ومتداخلة جداً جداً جداً. ومع نهاية كل حوار تشخيصى أو مقال استعراضى أو برنامج حوارى يتمنى الجميع أن يتم حل المشكلات وتدارك الموبقات والتعامل مع الأزمات، ثم ما يلبث أن يذهب كلٌّ فى طريق، بعد رفع فرامل يد الوطن، انتظاراً لحلقة تشخيصية مقبلة.