كشفت معركة اختيار المستشار أحمد الزند وزيراً للعدل عن أن حجم العداء والتربص الذى يُكنّه مرتزقة 25 يناير للرئيس السيسى ونظام حكمه قد بلغ حدّ المرض، إذ كتب أحدهم مخاطباً الرئيس: «الزند فراق بينى وبينك»، وكأن هذا الفسل المريض يخاطب مريضاً مثله وليس رئيس مصر، أو كأن «الزند» عدواً لأهله!.
لم يشغلنى نباح هؤلاء المرتزقة، فقد انتصرت إرادة «30 يونيو» فى النهاية، وذهبت حقيبة العدل إلى من يستحقها وتستحقه. لكن المزعج فى الأمر، والمقرف أيضاً، أنهم هم الذين أشعلوا شرارة الحرب ضد الزند، ولم يبخلوا على الرجل بكذب أو ادعاء أو تحريض، وكأن مصر ستنهار بسبب اختياره وزيراً!. لم ينتفضوا لاختيار الوزير السابق محفوظ صابر للحقيبة نفسها رغم شبهة تعاطفه مع عصابة الإخوان وتعاونه مع «الأخوين مكى» أثناء حكم هذه العصابة. ولم يشفع لـ«الزند» أنه تصدى لإرهابها وتغوُّلها وسعيها إلى تدمير مؤسسة القضاء، كما أن التصريحات التى كان قد أدلى بها فى مواقف سابقة، خاصة تصريح «الأسياد والعبيد»، اجتُزئت جميعاً من سياقها، وتعامل معها هؤلاء المرتزقة، سواء فى مقالات منشورة أو من خلال صفحاتهم على مواقع التواصل، بعكس نصوصها، وعلى النحو الذى يجعل منها أدلة إدانة للرجل!. وإذا أضفنا إلى ذلك أن المسئول عن حقيبة «العدل» بالذات ليس وزيراً «جماهيرياً» مثلما هو الحال فى حقائب التعليم والتموين والصحة والداخلية وغيرها، وأن هناك وزراء آخرين فى حكومة المهندس إبراهيم محلب أحقُّ بالنقد والمحاسبة، وأن الحكمة تقتضى ألا نهاجم وزيراً أو غفيراً قبل أن يبدأ مهام عمله (اللهم إلا إذا كان مشكوكاً فى نزاهته السياسية أو ذمته المالية أو فى وطنيته).. إذا أضفنا كل ذلك فإن المبرر الوحيد للحملة القذرة التى شنها مرتزقة 25 يناير ضد المستشار الزند هو كونه أحد رموز ثورة 30 يونيو، وأحد خصوم عصابة الإخوان المجرمة!.
بعد مرور عام تقريباً على تولى السيسى حكم مصر، أستطيع، ويستطيع أى مصرى محب لبلده، أن يصنّف أعداءه وأعداء نظامه على النحو الآتى. هناك أولاً عصابة الإخوان، وأظن أن ما من عاقل، موضوعى، يمكن أن يتعامل معها بأقل مما يعامل إسرائيل. وهناك ثانياً رجال الأعمال. ليس كلهم بالطبع، لكن غالبيتهم أصبحت خصماً واضحاً وسافراً، بل الخصم الأكثر شراسة. رجال الأعمال لا يريدون فى الواقع شراكة فى تنمية أو بناء دولة، بل يريدونها «بيزنس» خاص بهم، يعمل بشروطهم، وبالقوانين التى تحقق مصالحهم الخاصة، ويريدون لرئيس الدولة أن يكون مجرد «راعٍ» لهذا البيزنس، وضامن لسيطرتهم على مقدرات هذه الدولة!. وهناك الإعلام: التفاهة والانتهازية والنفاق المفضوح والرخيص لكل الأطراف المؤثرة فى صناعة القرار، والسعى الدؤوب إلى إشاعة الفتن بين المصريين وإغراقهم فى قضايا ومشكلات فرعية.. هذا الإعلام يستنكر فساد نظام مبارك وهو جزء منه، ويحارب أعداء الدولة وهو الذى يلهث وراءهم ضيوفاً عليه، وينتقد الرئيس فى العلن ويأكل على موائده ويسبح بحمده فى الخفاء، وقد حذرت، وسأظل أحذر، من أن الرئيس -إذ يراهن على هذا الإعلام ويحاول احتواءه- إنما يربى فى «عبه» كلاباً مسعورة: إذا لم تجد طعاماً على مائدته.. ستأكله حياً!. وهناك رابعاً.. الجهاز الإدارى للدولة نفسها، وعلى رأسه حكومة المهندس محلب. ليس لهذا الجهاز انتماء محدد: هل ينتمى إلى نظام مبارك، أم يعانى من اختراق عصابة الإخوان، أم أنها ظلال ما يسمى بـ«الدولة العميقة»؟. وهناك أخيراً مرتزقة 25 يناير. إنهم تلك الفئة المفلسة سياسياً واجتماعياً. فئة ضالة، تسعى بكل السبل إلى إعادة بعث نفسها بعد أن أصبحت منبوذة، وتأكد لبسطاء المصريين أنها تعمل بلقمتها. وفى سعيها إلى العودة تتشبث بوهم «الثورة ستنتصر»، ولفرط إلحالها فى التبشير بعودة «دولة مبارك»، أو التأكيد على أنها لم تزل قائمة.. أصبحت أشعر أن لهؤلاء المرتزقة مصلحة أو غرضاً شخصياً فى عودتها أو بقائها!. والغريب أنهم يصرون على نسبة أنفسهم زوراً وتدليساً إلى ثورة 30 يونيو، ويقول الواحد منهم بملء فمه إنهم هم الذين صنعوا هذه الثورة.. و«لما نزلنا».. و«لما وقفنا فى وش الإخوان».. و«لما قلنا لمرسى».. ولما.. ولما!.. مع أنهم هم الذين دعموا عصابة الإخوان وباركوا حكمها وتحالفوا معها وسلموها «ثورتهم» المغدورة، ولو كنت مكانهم لانتحرت أو وضعت على وجهى «برقع حياء»!.