كتاب بريطانى جديد يكشف تفاصيل فساد "فيفا".. و"شراء" قطر مونديال 2022
كيف يمكن لدولة صغيرة ليس لديها أى تاريخ رياضى أن تحصل على تنظيم أكبر بطولة دولية لكرة القدم فى العالم؟ الأمر بسيط.. ولكن حين تتعلق المسألة بالأموال التى تمتلك قطر منها كميات لا تنتهى، بفضل مخزون الغاز الهائل لديها، الذى مكنها من أن تصبح من أغنى الدول الخليجية، الدولة التى يفضل البعض أن يطلق عليها «الدولة القزم»، استطاعت أن تجذب أنظار العالم إليها بسهولة، ليس بسبب إنجازاتها العظيمة وإنما بسبب الاتهامات بالفساد ودفع الرشاوى فى سبيل الوصول إلى غاياتها، الحلقة الأخيرة من سلسلة الاتهامات الموجهة إلى الدولة الصغيرة، كانت تلك التى تتعلق بحصولها على حق تنظيم بطولة كأس العالم لعام 2022، حيث إن العرض الذى قدمته قطر لاستضافة البطولة لم يكن على قدر العرض الأمريكى بكل تأكيد، ولا حتى العرض النيوزيلندى الذى كان يعد ثانى أفضل العروض المقدمة لاستضافة البطولة، ورغم ذلك استطاعت «الدوحة» الحصول على حق تنظيم البطولة، وهو ما أثار الشبهات حول استخدام الأموال والرشاوى واستغلال العلاقات الهائلة التى تمتلكها «الدوحة» للحصول على حق تنظيم «كأس العالم».
رغم أن الاتهامات بدفع الرشاوى تراجعت بعض الشىء فى الفترة ما بين 2011 و2013، عادت الاتهامات من جديد بسبب سقوط قتلى فى أوساط العاملين فى إنشاءات كأس العالم فى قطر، ولم تعد الاتهامات تقتصر على دفع الرشاوى والفساد فقط، وإنما وصلت إلى اتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق العمال وعدم توفير ظروف عمل ملائمة للعمال القادمين من دول آسيا الفقيرة.
أحدث حلقات الكشف عن سلسلة الفضائح التى تطال قطر فى السنوات الأخيرة، هى كتاب «اللعبة القبيحة.. مخطط قطر لشراء كأس العالم» للكاتبين الإنجليزيين بجريدة «صنداى تايمز» البريطانية، هايدى بليك وجوناثان كالفيرت، حيث أعدا تحقيقاً استقصائياً استغرق شهوراً كاملة للوصول إلى حقيقة الصفقة التى تمت بين قطر وقادة الاتحاد الدولى لكرة القدم «فيفا»، لضمان التصويت لصالح «الدوحة»، فى التصويت الذى انتهى بفوز قطر بـ6 أصوات زائدة على عدد الأصوات التى حصل عليها العرض الأمريكى.
يبدأ «اللعبة القبيحة» بتأكيد أن إعلان حصول «الدولة الصغيرة الصحراوية على حق تنظيم كأس العالم، أثار صدمة وحالة من عدم اليقين والتشكيك ليس فى زيوريخ فقط وإنما حول العالم أجمع، فكيف يمكن لدولة ضئيلة الحجم لا تتمتع بأى تاريخ رياضى أو حتى بنية تحتية رياضية ودرجة حرارة طقسها فى الصيف تتخطى 50 درجة، أن تغلب دولاً أخرى قدمت عروضاً أقوى كثيراً من العرض القطرى؟ ووقتها كان هناك رجل واحد فقط من دون كل من فى الاتحاد، يعلم جيداً السبب الحقيقى والإجابة عن هذا التساؤل، هو محمد بن همام الملياردير القطرى ورئيس الاتحاد الآسيوى السابق لكرة القدم، ولم يكن يمكن لأحد أبداً أن يتخيل أن هذا الرجل المتأنق هو المهندس الحقيقى لانتصار قطر الذى كان يعد مستحيلاً، حتى وإن أجزم كل من له علاقة بالتصويت بأن (بن همام) لم يكن له صلة بما جرى أو بالعرض القطرى من الأساس».
منذ ذلك اليوم الذى وافق الثانى من ديسمبر عام 2010، انتشرت الشائعات كالنار فى الهشيم حول حصول قطر على حق تنظيم البطولة، وبدأ الصحفيون والمحققون الخاصون رحلة البحث عن الحقيقة وراء حصول العرض القطرى على النسبة الأكبر من الأصوات، ولكن ظلت يد «بن همام» وتورطه فى ملف الفساد أمراً خفياً لا يمكن الوصول إلى حقيقته، إلى أن جاءت ساعة الحقيقة فى بدايات عام 2014، حيث استطاع عدد من الصحفيين الحصول على وثائق سرية تثبت تورط «بن همام» فى فضيحة فساد انتهت بحصول قطر على حق تنظيم البطولة.
ومن بين تلك الوثائق التى استطاع الصحفيون الحصول عليها، كانت هناك رسائل بريد إلكترونى وسجلات مكالمات هاتفية وفاكسات ورسائل إلكترونية وخطابات وحسابات مالية وملاحظات مكتوبة بخط اليد وسجلات لرحلات طيران وغيرها من الوثائق التى تثبت جميعاً الدور المحورى السرى الذى لعبه «بن همام» فى حملته التى أطلقها سراً لـ«شراء» حق تنظيم بطولة كأس العالم 2022، ومن خلال التدقيق فى تلك الوثائق، تظهر الشبكة التى نسجها «بن همام» لضخ مئات الملايين من الدولارات كـ«رشاوى» لضمان تبادل الأصوات وحصول قطر على الأصوات التى تؤهلها للحصول على كأس العالم.
الكتاب البريطانى الجديد يؤكد أن «بن همام» بات وحيداً منبوذاً الآن، ولم يعد لديه النفوذ الذى كان يحظى به فى السابق، ويضيف الكتاب: «دخل أحد معارف (بن همام) من اتحاد الكرة إلى مجلسه الذى يقيمه بشكل شبه يومى فى قصره بالدوحة، فوجده قد تغير شكله كثيراً عما كان سابقاً، وحين حاول أن يفهم سر كل هذا التغير، كانت هناك كلمة واحدة تكاد تخنق (بن همام) حين ينطقها.. (بلاتر)، رئيس الاتحاد الدولى لكرة القدم، الذى بات فى عينى (بن همام) خائناً بعد أن كان بمثابة أخ له، حيث يؤكد الملياردير القطرى أن (بلاتر) يدين له بما وصل إليه من نفوذ، ولكن تغير كل شىء بعد أن تكشفت فضيحة الرشاوى الهائلة التى قدمها لضمان حصول قطر على الأصوات، وتخلى عنه (بلاتر) تماماً، فتدمر كل ما سعى الملياردير القطرى إلى تحقيقه وتدمر تاريخه وإرثه تماماً، رغم محاولاته الكاملة لنفى صحة تلك الاتهامات».
وبحسب الكتاب البريطانى، فإن «بن همام» قال صراحة لبعض الحاضرين فى مجلسه، إن «بلاتر حضر إلى قطر قبل إجراء الانتخابات الأخيرة لاتحاد كرة القدم، رغم أنه كانت هناك خلافات بين (بلاتر) و(بن همام)، وتمت تسوية تلك الخلافات وشكر رئيس (فيفا) أصدقاءه القطريين لمساعدته فى الانتصار فى انتخابات 1998 وانتخابات 2007 من خلال الرشاوى التى قدمها (بن همام) إلى أعضاء (فيفا) لضمان الحصول على أصواتهم لصالح (بلاتر)، وبعدها احتسى (بلاتر) قليلاً من القهوة فى اجتماع مغلق جمعه بأمير قطر حمد بن خليفة و(بن همام)، ثم قال (بلاتر): سنأتى ببطولة كأس العالم إلى قطر».
بعدها بأسابيع قليلة، وضع «بلاتر» صديقه «بن همام» أمام الأمر الواقع، فقد خرج أمام ما يزيد على ألف شخص من الوفود المشاركة فى اجتماع «فيفا» السنوى الذى انعقد عام 2008 فى أستراليا، يعلن صراحة أن «قطر هى واحدة من الدول التى تسعى إلى تقديم عرض لاستضافة كأس العالم»، ولم يبق أمام «بن همام» سوى أن يفعل كل ما فى وسعه لضمان تحقيق حلم الأمير القطرى باستضافة كأس العالم وتحويل قطر إلى دولة عظمى فى خطة تستغرق 30 عاماً».[FirstQuote]
وتابع الكاتبان: «منذ تلك اللحظة التى أعلن فيها بلاتر هذا الأمر، حاول (بن همام) إقناع الأمير بأن الهزيمة التى قد تلحق بـ(الدوحة) فى حال رفض عرضها لاستضافة كأس العالم ستكون مهينة، فالأمر بسيط جداً: قطر حارة جداً وليس لديها منشآت رياضية يمكنها استضافة حدث بهذه الضخامة». وأضافا: «إذا دخلت قطر بعرض لاستضافة كأس العالم، فإنه ليس هناك سوى صوت واحد تضمن أنها ستحصل عليه، وهو صوتها، كما أن عدم دعم أعضاء الاتحاد الآسيوى لـ(الدوحة) سيكون مهيناً ومذلاً، ولكن الأمر كان قد حسم.. الأمير أصر على أن تأتى أكبر بطولة رياضية فى العالم إليه.. وليس هناك أى شىء يمكن لـ(بن همام) قوله أن يغير من الأمر شيئاً».
كان «بن همام» يعرف جيداً أنه حتى وإن كان شعبه بدأ يعشق كرة القدم، فإن فرص فوز قطر وتغلبها على العروض الأخرى التى تقدمها الدول الكبرى لاستضافة البطولة كانت ضعيفة جداً، وكان واضحاً له أن قطر لن تنجح فى مسعاها بالوصول إلى نهائيات كأس العالم، إلا بالطبع إذا نجح هو فى مهمته التى أوكلها إليه الأمير، حيث يتأهل منتخب الدولة المستضيفة تلقائياً إلى النهائيات. «ولكن لأن أمير قطر كان يصر على استضافة البطولة، فإن بن همام كان هو الوحيد فى الشرق الأوسط بأكمله الذى يمتلك الفرصة لتحقيق حلم الأمير، وأوضح حمد بن خليفة أن حلم استضافة البطولة ليس مجرد حلم الأمير وحده، وإنما هو ركيزة أساسية من ركائز تحقيق مخططه لتحويل قطر إلى الوجهة السياحية والرياضية الأبرز فى العالم».
فى عام 2008، فشلت قطر بشكل كبير فى الحصول على حق تنظيم الألعاب الأولمبية لعام 2016، وفشلت فى تقديم عرض يمكنه منافسة عروض الدول الأخرى التى تقدمت لاستضافة البطولة، كما أنه كان يتضمن أن يتم إجراء البطولة فى شهر أكتوبر تجنباً لحرارة الصيف، وهو ما لم يكن مسموحاً به طبقاً لقواعد اللجنة الأولمبية الدولية، ولكن فى «فيفا»، هناك ميزة يمكن لـ«الدوحة» أن تبدأ منها وتعتمد عليها فى الحصول على مسعاها، فـ«بن همام» قضى ما يقرب من 12 عاماً فى الاتحاد، وبات يسمى أعضاءه بـ«أخوة فى كرة القدم»، ومع اقتراب موعد فتح باب التقدم بعروض استضافة بطولتى كأس العالم 2018 و2022، علت التوقعات والأنظار بشأن الدول التى يمكن أن تتقدم بعروض لائقة لاستضافة البطولة، وفجأة أعلن «بلاتر» الأمر للجميع علناً، وبدأت مهمة «بن همام» بعدها على الفور.
20 شهراً تقريباً كانت المدة الفاصلة بين تقديم العروض وإعلان اختيار هوية الفائز، هى نفسها المدة التى كانت متاحة أمام «بن همام» لإقناع زملائه بالتصويت لصالح العرض القطرى الذى لم يكن من المتوقع أن يحظى بفرصة من الأساس، ولأن «بن همام» هو تلميذ «بلاتر»، أدرك جيداً كيف يمكنه أن يلعب السياسة فى كرة القدم بشكل رائع يمكنه من الوصول إلى غاياته من خلال إبرام الصفقات مع زملائه فى الاتحاد، وبات «بن همام» يسعى إلى إقناع 13 فقط منهم للتصويت لصالح بلاده. أدرك «بن همام» أن ما يحتاجه هو أن يطلب رد الخدمات التى سبق أن قدمها إلى العديد من أعضاء الاتحاد الدولى لكرة القدم، وأن كل ما عليه الآن هو أن يبحث عن عقد صفقات كبيرة يمكنها التأثير على أصوات الناخبين، وبما أن لوائح «فيفا» تؤكد أهمية سرية التصويت، فإن عقد الصفقات يعد أمراً سهلاً، فيمكن للناخب أن يحصل على الأموال التى يتم الاتفاق عليها، ثم يخرج بعد أن يمنح صوته لدولة بعينها، دون أن يتم الكشف عن هذا الأمر تماماً.
وبما أن أحد شروط قبول عروض استضافة كأس العالم أن يحظى العرض بموافقة رئيس «فيفا»، ولأن «بن همام» لم يكن واثقاً من أن «بلاتر» سيدعم العرض القطرى، فإنه كان على الملياردير القطرى أن يبدأ حملة يؤكد من خلالها لـ«بلاتر» الذى يسعى إلى الحصول على القوة والنفوذ، أن مصلحته تكمن فى دعم حلم «الدوحة» بالحصول على حق تنظيم كأس العالم، فى حين أن عقد الصفقات مع باقى الأعضاء كان أمراً سهلاً بالنسبة لـ«بن همام»، وكان يعرف جيداً لمن عليه دفع الرشاوى لضمان الحصول على الأصوات، فوضع نصب عينيه الأفارقة والآسيويين كهدف أول لضمان الحصول على أصواتهم، وهو ما يعنى أن تكون قطر قد حصلت على ما يقرب من ثلثى الأصوات التى تلزمها للفوز بحق تنظيم البطولة.
«بن همام» كان رئيس الاتحاد الآسيوى لكرة القدم وقتها، وهو ما يعنى أن له تأثيراً على الأعضاء الثلاثة الآخرين فى الاتحاد الدولى، ولكن الأمور كانت أكثر تعقيداً مما كانت تبدو عليه، حيث كانت هناك ثلاث دول آسيوية أخرى تسعى إلى الحصول على حق تنظيم البطولة، وهى أستراليا وكوريا الجنوبية واليابان، وهو ما يعنى أن «بن همام» كان ملزماً بأن يكون «حيادياً»، كما أن المسئول عن عرض كوريا الجنوبية كان تشونج مونجون الذى كان منافساً لـ«بن همام» فى انتخابات الاتحاد الآسيوى، وكانت بينهما خصومة وضعت «بن همام» فى أزمة جديدة فى سعيه للحصول على أصوات الآسيويين.
باتت الأزمة على النحو التالى بالنسبة لـ«بن همام»: «لا يمكنه الحصول على أصوات الآسيويين بسهولة بسبب الخلافات وغيرها، وعلى الرغم من أن أعضاء اتحاد أمريكا الجنوبية معروفون بالفساد، فإن الحصول على أصواتهم أمر صعب أيضاً، وباتوا تحدياً يتطلب استخدام كل مهاراته الدبلوماسية وعقد الصفقات للحصول على أصواتهم، ولكنه كان يعرف أن هناك اثنين على الأقل منهم لديهما مشاكل فى بلدانهما، الأول ممثل البرازيل حيث تعانى بلاده من نقص الأموال اللازمة لاستكمال إنشاءات كأس العالم 2014، والثانى ممثل الأرجنتين الذى كانت بلاده تعانى من أزمات مالية حادة، وهو ما مهد الطريق أمامه».
أما الأوروبيون فكانوا تحدياً آخر مختلفاً كثيراً عن غيرهم، فالاتحادات الكروية الأوروبية كانت غنية بالفعل، وليست فى حاجة إلى أموال الرشى التى يمكن أن تدفعها قطر، كما أنهم كانوا يصوتون منفردين على عكس الاتحادات الأخرى التى تصوت بشكل جماعى. وتابع «اللعبة القبيحة»: «ولكن كان هناك نجم آخر ساطع فى الطريق اسمه ميشيل بلاتينى، ورغم أن بلاتينى لم يكن يبدو أنه الشخص المستعد للموافقة على لعب الكرة فى دولة تبلغ درجة حرارتها 40 على الأقل، فإنه كان يتمتع بصداقة جيدة مع الرئيس الفرنسى آنذاك نيكولا ساركوزى، الذى أعلن صراحة أنه منفتح على إقامة علاقات طيبة مع دولة قطر الغنية بالغاز، وهنا كانت نقطة الانطلاق لـ(بن همام) بعد أن عثر على نقطة الضغط المناسبة».
بالنسبة لـ«الدوحة»، كانت روسيا الحصان الأسود، فالاتحاد الروسى يسعى منذ زمن الشيوعية إلى استضافة الأحداث الرياضية كنوع من إثبات تقدم الدولة، ولأن «قطر وروسيا» كان بينهما عدد من الأشياء المشتركة، فإن احتمالات التوافق بينهما كانت كبيرة إلى حد ما، وكان على «بن همام» إقناع «بوتين» بدعم قطر فى مقابل المصالح المشتركة فيما يتعلق بـ«الغاز»، أما فيما يتعلق بموقف تركيا، فإنها كانت الدولة الإسلامية الوحيدة آنذاك الموجودة إلى جانب قطر ولديها ممثل فى اللجنة العليا لـ«فيفا»، وهو ما كان يمكن لـ«بن همام» أن يستغله للحصول على صوت تركيا.
تبدأ رحلة شراء الأصوات لصالح قطر من الاتحاد الأفريقى لكرة القدم، ولأن «بن همام» كان يدرك جيداً طبيعة هذا الاتحاد، أدرك أنه عليه البدء من القاع إلى الأعلى وليس الدخول مباشرة إلى أصحاب الأصوات الأربعة فى «فيفا»، وبالفعل بدأ مخططه من «كوالالمبور» حيث يقع مقر الاتحاد الآسيوى لكرة القدم، فأرسل مساعده الشخصى محمد المشادى، لسحب مبلغ 200 ألف دولار أمريكى من حسابات الاتحاد الآسيوى لكرة القدم، الذى كان يديره «بن همام» وقتها -بحسب الكتاب- وكأنه جزء من مكتبه الخاص ينفق الأموال أينما أراد.[SecondQuote]
وبالفعل، دعا «بن همام» أعضاء الاتحاد الأفريقى لكرة القدم إلى «كوالالمبور» بعد أن انتهى الاجتماع السنوى لـ«فيفا» فى سيدنى، وقد كانت هذه الدعوة كاملة التكاليف والإقامة، إضافة إلى أنه تمت استضافة أعضاء الاتحاد فى فنادق خمس نجوم، وتم منحهم مظاريف مغلقة تحتوى على أموال لاستخدامها خلال فترة الاستضافة فى «كوالالمبور»، وتم إغداق الهدايا عليهم قبل أن يتوجه «بن همام» لاستقبالهم، وبعدها أخذهم فى رحلات سياحية فى أنحاء المدينة، ولأن «بن همام» كان فى حاجة إلى وسيط يفتح أمامه المجال لقلوب الأفارقة، لجأ إلى وظيفته السابقة كرئيس لصندوق «جول» التابع لـ«فيفا» الذى كان يمول الاتحادات الفقيرة فى أنحاء العالم، والذى تعرف من خلاله على شخص يدعى آمادو ديالو، الذى يتمتع بعلاقات صداقة مع أغلب أعضاء الاتحادات الأفريقية، وبالفعل نجح الوسيط فى فتح المجال أمام «بن همام» لتسهيل مهمته.
وبعد أن غادر أعضاء الاتحاد الأفريقى «كوالالمبور»، أمر «بن همام» أعضاء الفريق المالى الخاص به بتحويل مبالغ مالية إلى حسابات أنجورين موكارافو، رئيس اتحاد «بنين» لكرة القدم، إضافة إلى حسابات ثلاثة آخرين من رؤساء الاتحادات الأفريقية، دون أن يخبرهم عن سبب تلك التحويلات، كان «موكارافو» هو مفتاح «بن همام» لـ«الأفارقة»، حيث كان عضواً فاعلاً ومؤثراً فى اللجنة التنفيذية للاتحاد الأفريقى لكرة القدم.
بعدها بأيام، بات يبدو أن خطة «بن همام» فى طريقها إلى النجاح، وبالفعل بدأت الرسائل الإلكترونية تنهال على الحساب الشخصى لـ«بن همام» تشكره على حسن ضيافته، ومن بين تلك الرسائل، تلك التى أرسلها محمد آيا رئيس اتحاد الكاميرون لكرة القدم، والتى كتب فيها: «استمتعنا كثيراً بالرحلة، وفريقك كان رائعاً على كل المستويات، ولم تتركوا أمراً واحداً يعكر صفو زيارتنا إلى كوالالمبور»، فى حين أن الأمين العام لاتحاد ساحل العاج الذى كان يرأسه جاكبوس أنوما الذى يعد أحد أهم الأصوات فى لجنة «فيفا»، كتب يقول إنه يعتبر ضيافة «بن همام» بمثابة صداقة رائعة لا يمكن تعويضها. وحتى إيزيتا ويزلى، رئيسة اتحاد ليبيريا لكرة القدم، التى كانت تلقب بـ«المرأة الحديدية» فى أوساط زملائها، أرسلت له تشكره على حسن ضيافته.
لم تمر سوى بضعة أيام قليلة حتى انتشرت الشائعات كالنار فى الهشيم، فالصحف ووسائل الإعلام باتت تتلاسن بشأن حقيقة كرم الضيافة الذى أبداه «بن همام» وما إذا كان يستعد لخوض انتخابات «فيفا» للحصول على كرسى الرئاسة، ولأن دعم «بلاتر» له فى مسعاه كان ضرورياً، بادر «بن همام» بإصدار بيان عن الاتحاد الآسيوى ينفى شائعات نيته الترشح لرئاسة الاتحاد الدولى، وقال صراحة إنه يدعم «بلاتر» ويتمنى أن يترشح لدورة أخرى. وبالفعل نجحت خدعة «بن همام»، وبعدها بساعتين وصلته رسالة أخرى من «زيوريخ» هذه المرة من «بلاتر» نفسه، قال فيها: «أخى العزيز.. شكراً لك على ثقتك وتحياتى لك»، فرد عليه «بن همام» قائلاً: «أخى العزيز ورئيس الاتحاد.. كما حدث فى الماضى.. يمكنك دوماً الاعتماد على ولائى فى المستقبل».
ولأن الاستضافة الأولى نجحت فى نصب خيوط الشباك لأعضاء الاتحاد الأفريقى، قرر «بن همام» تكرار التجربة ودعا إلى زيارة جديدة فى أكتوبر من عام 2008، وأرسل «المشادى» من جديد لسحب 130 ألف دولار من حسابات الاتحاد الآسيوى. حاول «بن همام» أن يبدو أكثر ودية مع ضيوفه، فدعاهم إلى إحضار زوجاتهم وأطفالهم معهم، وحصل كل واحد منهم على مبلغ 5 آلاف دولار أمريكى فور أن وصلوا إلى المطار، إضافة إلى الهدايا الأخرى التى تم إعدادها لهم. ونجحت الزيارة للمرة الثانية على التوالى من خلال بناء شبكة علاقات قوية داخل الاتحاد الأفريقى ومحاولة الاقتراب من رئيس الاتحاد آنذاك عيسى حياتو، الذى كان يعد أحد الأعمدة الرئيسية اللازم الحصول على دعمها للملف القطرى.
بعد تلك الرحلة، بدأ أعضاء الاتحاد الأفريقى يقعون فى شباك «بن همام»، فأرسل سيى ميمين نائب عيسى حياتو فى تلك المرحلة، إلى «بن همام» يطلب منه تمويل رحلة حج إلى السعودية له ولزوجته، وعلى الفور أمر «بن همام» مدير أعماله فى قطر بتحويل مبلغ 22.400 دولار لتغطية مصاريف الرحلة والفنادق والإقامة للاثنين. وبعدها بدأت الطلبات تتوالى الواحد تلو الآخر، حيث طلب رئيس اتحاد سوازيلاند آنذاك آدم مثيثوا الحصول على تمويل بمبلغ 30 ألف دولار، وعلل هذا الطلب بأنه خرج لتوه من مجال السياسة ولن يحصل على معاشه سوى بعد أن يتم الـ55 عاماً، وبالفعل تم دفع هذا المبلغ.
مع حلول فبراير من عام 2009، سجلت قطر رسمياً رغبتها فى دخول المنافسات للحصول على حق تنظيم كأس العالم، وهو ما قابله رؤساء الاتحاد الأفارقة بالقبول بالفعل، فبعد أيام قليلة من إعلان قطر رسمياً المشاركة فى المنافسات، أرسل فضل الحسين رئيس اتحاد جيبوتى لكرة القدم، رسالة إلكترونية إلى «بن همام»، جاء فيها: «صديقى العزيز.. سعدت كثيراً بما سمعت.. وأنا معك حتى النهاية.. ومتأكد من أن الصومال والسودان وجيبوتى واليمن سيدعمونكم فى مسعاكم.. يمكنكم الاعتماد علينا فى تلك الحرب التى ستخوضونها»، وهو ما يبرره الكاتبان بأنه نتاج طبيعى لحصول «الحسين» على مبلغ 30 ألف دولار كنفقات علاجية على حساب «بن همام»، فى حين أن رئيس الاتحاد الصومالى حصل على 100 ألف دولار فى حسابه البنكى، بينما طلب الاتحاد السودانى الحصول على دفعات للجمعية العامة للاتحاد، فى حين تم ترتيب دفعات أخرى لاتحاد كرة القدم فى جزر القمر، ودفعات أخرى للاتحاد اليمنى.
من خلال الوثائق التى تم تسريبها وحصل عليها الكاتبان واستندا إليها فى كتابهما، ظهرت وثيقة تعود إلى 18 يونيو عام 2009، وهى تتضمن تحويلاً بنكياً بمبلغ 10 آلاف دولار أمريكى إلى الحساب الشخصى لـ«سيدى كتينيه» رئيس اتحاد جامبيا لكرة القدم، ولكن المفاجأة هى أن هذا التحويل جاء من حساب يعود لـ«عائشة محمد العبدالله»، وهى «عائشة» ابنة «محمد بن همام». ومن هنا، بدأت رحلة البحث عن الوثائق التى تحتوى التحويلات البنكية لـ«بن همام»، التى كانت تدار من خلال فرع شركته العقارية فى «الدوحة»، وبالفعل تم العثور على مئات التحويلات البنكية التى كانت تتم من حسابى «بن همام» وابنته مباشرة، وكان يدير تلك الحسابات الفريق المالى الخاص بالملياردير القطرى. وبحسب الوثائق التى اطلع عليها الكاتبان، فإن «بن همام» على مدار العامين السابقين للتصويت على منح حق تنظيم البطولة، دفع ما يقرب من 5 ملايين دولار لمسئولين أفارقة فى 30 اتحاداً أفريقياً لكرة القدم.
بعد اجتماع اللجنة العليا لـ«فيفا» فى جزر الباهامس فى 2009، أرسل «كتينيه» من جديد إلى «بن همام» يطلب منه بعض المساعدات المالية، وبالفعل أرسل الملياردير القطرى حوالة بنكية بـ10 آلاف دولار. ولم يكن رئيس اتحاد جامبيا وحده من طلب الأموال، فبعد أيام قليلة أرسل مانويل ديندى رئيس اتحاد «ساو توميه» إلى «بن همام» طلب منه 232 ألف دولار يتم تحويلها إلى حسابه البنكى الخاص بدعوى بناء مؤسسات رياضية فى بلاده، ولأن «بن همام» أدرك أن المبلغ ضخم مقارنة باتحاد ليس له صوت من الأساس، فقد أعاد تحويل الرسالة التى وصلته إلى مدير أعماله وطلب منه تحويل 60 ألف دولار فقط إلى رئيس الاتحاد. أما اتحاد ساحل العاج، فحصل على مبلغ 22 ألف دولار من أحد الحسابات الخاصة التابعة لـ«بن همام» فى بداية يوليو 2009، تحت مسمى «المساعدات الكروية»، فى حين حصل رئيس الاتحاد المغربى لكرة القدم سيد بلخياط على مبالغ مالية تم تحويلها إلى حسابه الخاص.
انتهت المرحلة الأولى من خطة «بن همام»، وحان الوقت لبدء تنفيذ المرحلة الثانية التى تعد الأصعب كثيراً، وهى استمالة النجم الألمانى السابق فرانز بيكنباور، الذى كان له تأثير هائل داخل اللجنة التنفيذية لـ«فيفا»، ولأن «بن همام» سبق أن ساعد النجم الألمانى فى حملته لحشد الدعم لصالح ألمانيا لاستضافة كأس العالم فى 2006، فإن الملياردير القطرى قرر أن يذكر «بينكباور» بأنه مدين له ويحتاج إلى رد الجميل الآن، فدعاه إلى زيارة «الدوحة» بصحبة مساعده الأقرب فيدور رادامان، ولكن أزمة «بن همام» كانت تتركز فى أن «رادامان» تلقى بالفعل أتعاب استشارة «بيكنباور» من الفريق الأسترالى الذى يقود حملة الترويج لأستراليا، حيث تلقى 11.2 مليون دولار كتعاقد للاستشارات، وهو ما دفع القطرى إلى البحث عن وسيلة للتغلب على تلك العقبة.
بعدها بدأ «بن همام» فى سلسلة من الدعوات لأصحاب الأصوات داخل «فيفا» لزيارة «الدوحة»، وبالفعل دعا الإسبانى أنخيل ماريا فى نوفمبر، وبعدها دعا البرازيلى ريكاردو تيكسيرا، وبخلاف الحفلات التى أقامها الاتحاد الآسيوى لكرة القدم بأموال القطريين، حصل رئيس الاتحاد اللبنانى لكرة القدم على 100 ألف دولار فى حسابه الشخصى دون أن يعرف سبب هذا التحويل. أما مارى مارتينيز رئيس الاتحاد الفلبينى لكرة القدم، فحصل هو الآخر على دفعات بنكية تم تحويلها إلى الحساب الخاص بزوجته. وبعدها كان هناك رئيس اتحاد منغوليا لكرة القدم جانبولد بويانميك الذى موّل «بن همام» مصاريف الدراسة الجامعية لابنته.[ThirdQuote]
وضع «بن همام» لنفسه مسارات مختلفة يسير عليها لحشد الدعم العالمى لصالح بلاده، فتوجه إلى اللاعب الزامبى الشهير كالوشا بواليا بسبب نفوذه الواسع فى أوساط الاتحاد الأفريقى لكرة القدم، وبالفعل تم تحويل مبلغ 50 ألف دولار إلى الحساب الشخصى لـ«بواليا» بحجة أنها لدعم الاتحاد الزامبى لكرة القدم.
وفى نهاية ديسمبر من عام 2009، قرر «بن همام» أن يلقى بأوراقه كاملة إلى اللعبة، فدعا الأربعة الكبار أصحاب الأصوات وأعضاء الاتحاد الأفريقى لزيارة «الدوحة»، وكان همه الأكبر هو أن يخرج هؤلاء من بلاده وهم يشعرون بأنهم مدينون لـ«قطر» بشكل أو بآخر، وبالفعل بدا على عيسى حياتو رئيس الاتحاد الأفريقى، إضافة إلى النيجيرى آموس آدامو، الرضا بعد أن علما بأن مبلغ 400 ألف دولار تم تحويله إلى الاتحادين، بينما حصل جاكوبس أنوما رئيس اتحاد ساحل العاج، على مبلغ 400 ألف دولار فى منتصف العام نفسه، وحصل بعدها على مبلغ مماثل فى العام التالى قبل أشهر من التصويت. وبعدها بأيام قليلة، أعلن الاتحاد الأفريقى لكرة القدم توقيعه صفقة مع «حملة قطر 2022» لرعاية الاجتماع السنوى فى 2010 بقيمة 1.8 مليون دولار، وهو ما كان يعنى أمراً واحداً.. «الأفارقة باتوا فى جيب قطر». وفى 25 يناير 2010، التقى «بن همام» المهاجم الليبيرى الشهير جورج ويى، وبعدها بأيام حصل «ويى» على مبلغ 50 ألف دولار أمريكى دفعت مباشرة إلى حسابه الشخصى فى البنك.
لم يبق سوى 10 أشهر فقط على إجراء التصويت، وهو ما أجبر «بن همام» على تكثيف نشاطه لشراء الدعم العالمى لصالح بلاده، فبدأ بـ«رادامان» مساعد «بيكنباور» وتعمد تذكيره بأنهما يدينان له بالدعم بسبب تأييده لهم ودعمه خلال عرض ألمانيا عام 2006، وبعدها بساعات التقى ميشيل بلاتينى رئيس الاتحاد الأوروبى لكرة القدم، وبعدها بساعات التقى رينالد تمارى عضو اللجنة التنفيذية لـ«فيفا» عن تايلاند، وبدت الإشارات كلها مشجعة على أنه يقترب من الحصول على دعمهم أيضاً.
قبل يوم واحد من انطلاق فعاليات كأس العالم عام 2010 فى جنوب أفريقيا، توجه «بن همام» إلى الدولة الأفريقية وهناك التقى كينى تبتون، التى كانت تتولى مهمة الترويج للعرض الإنجليزى لاستضافة كأس العالم فى بريطانيا عام 2018، وبالفعل بدأ «بن همام» فى التلميح إلى العرض الذى يقدمه إليها.. «أنا كقطرى أرغب فى التصويت لصالح بريطانيا، ولكننى ملزم بالتصويت لصالح الدولة التى ستأتى لى بأكبر عدد ممكن من الأصوات لصالح قطر.. كم عدد الأصوات التى يمكن أن تؤمنها بريطانيا؟»، هكذا قال الملياردير القطرى لـ«تبتون»، ولكنها لم تكن تمتلك الإجابة فاضطرت للاتصال بأعضاء اللجنة الإنجليزية المسئولة عن العرض، وسألت صراحة: «بن همام مستعد لتبادل الأصوات معكم.. صوته لكم فى 2018 مقابل أكبر عدد من الأصوات فى أوروبا لصالح قطر فى 2022»، وبالفعل بات عرض «بن همام» مسألة جدل ونقاش ساخنة وسط أعضاء اللجنة، ولكنهم توصلوا فى النهاية إلى أن العرض غير مناسب.
دخل «بن همام» المرحلة الثانية من مساعيه بمحاولة بناء علاقات طيبة مع الفريق الروسى الذى يتولى مهمة الترويج لعرض «موسكو» لاستضافة كأس العالم، ولكنه كان يدرك أن توطيد العلاقات مع روسيا لم يكن يعتمد فقط على المجال الكروى، وكان لا بد من استغلال العلاقات الاقتصادية والمصالح المشتركة أيضاً، حيث إن روسيا وقطر هما أكبر مصدرين للغاز فى العالم، وكان لديهما الكثير من المصالح المشتركة التى يمكن من خلالها بناء تحالف قوى. ولأن التصويت يتم بشكل سرى فى «فيفا»، فإنه كان يمكن لـ«بن همام» عقد عدة صفقات للحصول على الأصوات المختلفة فى مقابل الوعود بمنح صوته وصوت حلفائه لأى منهم.
وحاول الملياردير القطرى أيضاً بناء علاقات مع إسبانيا لدعم العرض الإسبانى البرتغالى المشترك للحصول على تنظيم كأس العالم 2018، فى مقابل الحصول على أصواتهم لصالح بلاده فى كأس العالم 2022، بينما منح رئيس الاتحاد الأردنى لكرة القدم حوالى 50 ألف دولار من خلال الحساب الخاص بابنته، بينما حصل رئيس اتحاد طاجيكستان على نفس المبلغ، إضافة إلى رئيس الاتحاد النيبالى لكرة القدم حصل على 115 ألف يورو فى حسابين منفصلين فى صيف 2015.
بعد أن ضمن «بن همام» أن تتخطى بلاده المرحلة الأولى من التصويت، اجتمع برؤساء اتحادات الدول الآسيوية الثلاثة التى تقدمت بعروض لاستضافة كأس العالم، وطالبهم بضرورة بقاء القارة الآسيوية موحدة من خلال إعطاء ضمانات بالتصويت الجماعى لصالح الدولة الآسيوية التى ستدخل المرحلة الثانية من التصويت، بمعنى أنه فى حال فشل قطر، فإن صوته يذهب للدولة الأخرى، بينما إذا نجحت قطر يحصل هو على الصوتين الآخرين، وهو كان يدرك بالفعل أن بلاده ستدخل المرحلة الثانية من التصويت من خلال الأصوات التى استطاع تأمينها للتصويت لصالح بلاده.
من بين الوثائق التى حصل عليها الصحفيان البريطانيان، كانت سلسلة من رسائل البريد الإلكترونى بين «بن همام» وأحد المواطنين التايلانديين يدعى «سيم هونج تشى»، ومن خلال تلك الرسائل اتضح أن «بن همام» كان يرتب للقاء بين المواطن التايلاندى ونائب رئيس الوزراء القطرى المسئول عن قطاع الطاقة، لترتيب صفقة غاز ضخمة بين قطر وتايلاند تبلغ قيمتها عشرات أو مئات الملايين من الدولارات، وبعدها اتضح أن المواطن التايلاندى هو أحد رجال الأعمال كان يسعى لإبرام صفقة غاز ضخمة، ولكن كان التايلانديون يسعون إلى تخفيض السعر الذى عرضته قطر وفى النهاية وافقت قطر على تخفيض السعر فى مقابل الحصول على صوت «تايلاند» فى فيفا. وقد حضر هذا الاجتماع ممثل شركة «بى.تى.تى» للغاز الحكومية التايلاندية، وممثل شركة «غاز قطر» الحكومية، إضافة إلى خالد بن حمد العطية وعبدالعزيز بن أحمد المالكى. ورغم عدم الإعلان رسمياً عن الصفقة، فإنه بعد إتمام الاقتراع وفوز قطر بتنظيم كأس العالم بـ5 أشهر، بدأت شحنات الغاز القطرية تتدفق تباعاً إلى ميناء التصنيع التايلاندى.
بحسب الكتاب البريطانى، لم تكن قطر وحدها هى التى ارتكبت انتهاكات تتعلق بالفساد خلال الترويج لبرنامجها لاستضافة كأس العالم، فبريطانيا أيضاً تلاعبت نوعاً ما فى مساعيها لاستضافة كأس العالم 2018، وعلى الرغم من أن العرض البريطانى كان الأفضل على الإطلاق، فإن بريطانيا قررت أن تتجسس على منافسيها والمصوتين من خلال سلسلة من ضباط الاستخبارات السابقين والسفارات البريطانية فى أنحاء العالم، إضافة إلى بعض المكاتب الأمنية الأخرى. ومن خلال عمليات التجسس، استطاعت بريطانيا إدراك أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين الذى كان رئيساً للوزراء وقتها، استدعى الفريق المسند إليه مهمة الترويج للعرض الروسى لاستضافة كأس العالم 2018، وقال لهم صراحة إنه ينبغى عليهم فعل كل ما يلزم حتى إن وصل الأمر إلى عقد صفقات وراء الكواليس، حتى تفوز «موسكو» بحق استضافة البطولة.
ومع اقتراب موعد التصويت على حق تنظيم البطولة، بدأ الرئيس الفرنسى آنذاك نيكولا ساركوزى فى الضغط على رئيس الاتحاد الفرنسى ميشيل بلاتينى للتصويت لصالح قطر، فى مقابل صفقات اقتصادية ضخمة واستثمارات فى فرنسا، فى حين عقدت قبرص صفقة أخرى قيمتها 27 مليون جنيه إسترلينى مع هيئة قطر للاستثمار فى مقابل الحصول على صوتها. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فاتجه «بن همام» إلى عقد صفقة مع ممثلى العرض الإسبانى البرتغالى لاستضافة كأس العالم 2018، وبالفعل نجح فى إبرام صفقة تنص على منحه صوته وأصوات شركائه الآخرين فى مقابل الحصول على أصواتهم وأصوات حلفائهم من اتحاد أمريكا الجنوبية لكرة القدم.
بعدها بأيام قليلة، أرسل الجواسيس الإنجليز فى روسيا يؤكدون أن «الدوحة وموسكو» عقدتا صفقة لتبادل الأصوات، بمعنى أن تدعم روسيا العرض القطرى فى 2022، فى مقابل دعم قطر العرض الروسى فى 2018، إضافة إلى إبرام صفقة لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، من خلال توسيع التعاون فى مجال الغاز. وبالفعل، بعدها بأيام معدودة أرسل رئيس الاتحاد الروسى لكرة القدم إلى «بن همام»، يؤكد له أنه على علم بالتفاهمات التى تم التوصل إليها وأنه سعيد بالعلاقات الطيبة التى تجرى بين البلدين.
بعد أن ضمن القطريون أصوات عدد كبير من أعضاء مجلس «فيفا»، حان دور فرنسا للحصول على صوت «بلاتينى»، وبالفعل توجه أمير قطر الحالى وولى العهد آنذاك تميم بن حمد إلى فرنسا للقاء «ساركوزى»، وخلال اللقاء الذى ناقش صفقات اقتصادية، انضم «بلاتينى» إلى الاجتماع ومارس الرئيس الفرنسى ضغوطاً عليه للتصويت لصالح قطر، فى مقابل شراء «الدوحة» نادى «باريس سان جيرمان» الذى يعد النادى المفضل لـ«ساركوزى»، إضافة إلى تأسيس شبكة رياضية جديدة فى فرنسا بدلاً من شبكة «كانال بلاس» التى كان يكرهها «ساركوزى»، وهو بالفعل ما حدث، حيث اشترت قطر نادى «باريس سان جيرمان» بعد التصويت بعام بقيمة 50 مليون يورو، إضافة إلى تأسيس شبكة قنوات «بى إن سبورت» وشراء حق بث الدورى الفرنسى بـ150 مليون يورو.