نبحث دائماً عن الأمل فى وجوه الشباب، لأننا لا نستطيع الخطو إلى الغد دونهم.. متمردون، رافضون، مشاغبون، يكرهون الوصاية ويلتزمون العناد ويملأهم الترقّب ويتحصّنون بالتبرير، هكذا وجدت طلاب «إعلام القاهرة» عند تقييمى مشروعات تخرّجهم، فما صنعوه يستحق الثناء، لكنه أيضاً تلزمه العين الناقدة، فما نفعله تجاههم مسئولية لإصلاح رؤية وتصويب مسار، فأعمالهم تمنحنا تفاؤلاً فى التغيير، فمثل هؤلاء حتى إن بدت خبراتهم قليلة، لكنهم يمتلكون روحاً وثّابة أعتقد أنها تفل الحديد وتصنع ما أردناه فى سطورنا الراغبة فى التقدّم وصناعة المستقبل، الخير بدا أصل أعمالهم حتى إن خالطه تسرع وتعجل، إصرار.. تنوع.. تراوحت المشروعات فى إطار تلك الثلاثية، وإن كانت الأخيرة -أى المثالية- بدت مضرة بقدر دفع بعضهم إلى الهروب أكثر من التصدى للواقع فى بعض مشاريعهم فى حين تجنّب البعض الآخر الفكرة، وأمسك بعصا البناء، لعله يصيب شيئاً فى دنيا لا يعرفونها ولا تعرفهم أيضاً..!!
طلاب وطالبات، بعضهم لم يتجاوز العشرين، تسيطر عليهم العودة إلى الماضى فى مشروعاتهم «النوستالوجيا»، فإن لم يكن المشروع مخصصاً عن الماضى مثل مجلة «زمان»، فإنه يستوعب هذا الماضى فى باب أو ملف، كلهم ذهبوا إلى الماضى، لأن الفكرة شغلتهم، وعندما سألوا الناس وجدوا عندهم الإجابة: قل للزمان ارجع، الاستسلام للماضى يصلح لأربعينى أو خمسينى أو فيما فوق أما مع شاب على حافة العشرين عاماً فهو أمر مستغرَب، فأين الماضى الذى يريد تذكّره، فكانت إجابتهم: الناس عايزة كده، أفك الماضى دون تحويله إلى طاقة إيجابية كهدف للتراجع والانسلاخ من الواقع، نحتاجه للحظات الاستراحة وليس للعيش فيه والاستقرار فى إطاره، فإن صادفنا بين شباب فهو مؤشر يستحق منا الدراسة والتحليل.
لم يفلت من الغرق فى دوامة المثالية الطاغية سوى مشروع اسمه «المشروع» يتحدث عن إعلام التنمية، تخصص فى «ريادة الأعمال» بوصفها مجالاً رحباً للتطور والتغيير لأى مجتمع، خاصة إذا كان مجتمعاً لا يحترم قيمة العمل واستسلم لفكرة الحكومة «بابا وماما»، الفكرة الصعبة لأنها صعبة على طلاب يخطون خطوتهم الأولى فى الصحافة، لكنها مثلت شجاعة من مجموعة ضمت طالباً واحداً بين أكثر من 10 طالبات.
الأفكار أعطتنى أملاً رغم النزوع إلى المدن الفاضلة فى أذهانهم، أردت فقط تطويعها بالنصح والإرشاد (بلاش الإرشاد ده)، لكى تصيب الهدف وتمنح الثبات والرسوخ فى عالم يكره المثاليات ويموت فى الكذب والفساد، اهتمت مجموعة التقييم إجمالاً بترويض الشطط للالتزام بالمهنة، وإن كان النقد قد قسا فى بعض الأحيان غير أنه ضرورة حتى يدرك الطالب الذى ينتظره الإعلام أن الواقع يحتاج إلى مهنيين وليس زعامات، المشروعات جميعها مستنى وجعلتنى أؤكد أنهم «أفضل منا» و«أفضل ما فينا»، ولهذا ألخص وجهة نظرى فى المشروعات التى قمت بتحكيمها فى العبارة التالية: «أعجبتنى رصانة (أسوار) ومشاغبة (المفتش) وتمرد (مرايا) وفكرة (المشروع) ومحاولة (زمان)»..!!
الأمل هناك فى قاعات الدراسة ينتظر واقعاً جديداً يسمح للمجتهد بأن يجد مكاناً ويتيح فرصة لطاقات الرفض والتمرّد لكى تكون طاقة بناء.