هل نحن حقاً شعب فوضوى يكره القانون والنظام والعدالة؟ خطر السؤال ببالى وأنا أقرأ نبأ اعتداءات الطلاب والمواطنين على مراقبى لجان امتحانات الثانوية العامة عديمى الإنسانية والرحمة الذين حاولوا منع الطلاب من الغش، تماماً مثلما تذكرت العشرات من تلاميذ مدرسة إعدادية وهم يحاولون اغتصاب المعلمة التى ارتكبت جريمة منعهم من الغش.
ثقافة الغش راسخة فى بلادنا، لذلك يبدو منطقياً أن يكون أكثر وارداتنا من البضائع الصينية المغشوشة، لدينا بضاعة «هاى كوبى» و«فرست كوبى»، ولدينا أيضاً قوانين «هاى كوبى»، وأخلاقيات «هاى كوبى»، ومشروعات «هاى كوبى»، وحكومة «هاى كوبى»، ومعارضة «هاى كوبى»، وثورات «هاى كوبى»؛ لذلك تنتهى صلاحية كل هذه الأشياء سريعاً لأنها غير متقنة الصنع.. لا شىءَ أصيلاً هنا سوى النيل وأطلال المعابد وأبوالهول والأهرامات.
ملابسنا كرنفالات متضاربة تعكس فقدان الهوية مثلما تعكس ثقافة التنوع، قُرانا ونجوعنا جيتوهات طائفية، وعاداتنا وتقاليدنا مزيج غير فريد من الغيطان والبداوة، مأخوذة من شبه الجزيرة العربية وبقايا مصر القديمة. مدائننا مسوخ شائهة ترقص على السلم بين العشوائية والحضارة. نصف أفلامنا مسروق من أفلام أمريكية، والنصف الآخر ردىء الصنع. نجمنا السينمائى الأول هو محمد رمضان القشاش الألمانى، موسيقانا مستنسخة من تركيا ومطربنا الأول هو «أوكا وأورتيجا».
مشاعرنا مغشوشة، نغضب حين لا يجب أن نغضب، ونصمت حين لا يجب أن نصمت. متطرفون فى المحبة ومتطرفون أكثر فى الكراهية، نرى الحقيقة التى نريدها ولا نرى الحقيقة المتجردة من الأهواء، لذلك تختلف أحكامنا بحسب اختلاف مواقعنا، نسير بتحولاتنا وأقنعتنا دون أن ندرى أننا نرتديها. ندافع عن الباطل ما دام فى صالحنا، ونتمسك بالخطأ لأننا لا نخطئ أصلاً. لصوص، كل واحد فينا ينهب فى منطقته الخاصة، لكننا ندين بقية اللصوص.
عشوائيون بامتياز، لا نشترى القيمة بل نشترى الشكل، لذلك تنهار الكبارى والطرقات سريعاً، لذلك يتحول أطباؤنا من معالجين إلى قتلة، وصيدليونا من صانعى أدوية إلى مروجى سموم، ومحامونا من مدافعين عن الحق إلى ذراع أخرى للبلطجة، وشرطتنا من حماة للمجتمع إلى غاصبين بالقوة، ورجال أعمالنا إلى نهّازى فرص وملاقيط لأموال الفقراء، ومعلمونا من صناع أجيال إلى صناع عاهات، ونخبتنا من ضمير إلى شهود زور.
كل شىء هنا مغشوش، حتى الكلمات مغشوشة، والأخبار مغشوشة. كلما مددت يديك لتلمس شيئاً، لن تُمسك سوى أوهامك.