وسط هذا العدد من التساؤلات، وما يُشيعه البعض من الإحباطات.. اخطف رجلك إلى صحراء بلبيس (40 كم من وسط القاهرة).. اسأل عن «سيكم»، لمؤسسها د. إبراهيم أبوالعيش.. ستجد كل الناس هناك يحاولون اصطحابك!!
فى الطريق ستسمع منهم، حكايات وروايات عن هذا الرجل، وكيف استطاع هذا الشاب المصرى المهاجر إلى ألمانيا طلباً للعلم فى الخمسينيات أن يعود ليهزم البيروقراطية العقيمة، والروتين العفن.. ليخلق «واحة» من الأمل فى قلب الصحراء القاحلة، ويبنى مجتمعاً من أهل المنطقة، يُعلِّمهم الجدية. ويغرس فيهم قيم العمل. وروح التعاون، وحب الحياة!!
هذا الرجل الذى كتب عنه د. محمود محفوظ (وزير الصحة الأسبق) يقول: فى حياة كل أُمّة علماء، ومُصلحون، ومُبدعون.. أعدَّهم الله ليكونوا قدوة طيبة، ونبراساً هادياً لغيرهم.. يتحملون عبء «إعمار الأرض»، وإصلاحها وتطويرها وتنميتها.. إنهم منفِّذو إرادة السماء فى بناء الحضارات، وترسيخ قيم الحق والخير والجمال.. هؤلاء هم الذين صدق إيمانهم، وسمت أخلاقهم وصح عزمهم.. لا يصيبهم الملل لأنهم مؤهلون لحمل مسئولية التغيير، وأمانة الوفاء بإكمال رسالة التعمير.. إنهم ورثة الأنبياء.
ما أحدثه الرجل فى قلب صحراء بلبيس من تعمير وتنمية وتطوير، فى بلد 94% منه صحراء جرداء، هو تطويع للطبيعة.. والأهم أنه لم يستثمر علمه وجهده وماله فى الحَجر، ولكنه كان من أول لحظة واعياً بأهمية الاستثمار فى البشر.
هذا المصرى ابن قرية «مشتول» بمحافظة الشرقية، المتزوج من ألمانية عاشقة لمصر، الذى اكتسب فى مسيرة حياته ثلاث ملكات: القدرة المستمرة على التعلم من تجارب الآخرين، والقدرة على اكتساب ثقة الناس، والطاقة التى لا تكف عن العمل.. يحكى لنا فى كتاب، من 190 صفحة، مُلخصاً لقصة حياة إنسان.. إنسان مصرى «نموذج» لما يجب أن يكون عليه كل من يحب هذه الأرض الطيبة، بكل ما بها، وما عليها، من ورود، وأشواك.
يحكى عن قرار العودة إلى مصر، مع عائلته الصغيرة، بعد أن باع بيته فى «سانت يوهان» بالنمسا (جميلة جميلات أوروبا) الذى أخذ منها روح «الجمال الأوروبى» نازحاً إلى صحراء مصر.. الذى قرر أن يُنشئ «مُصغَّراً» لها فى «واحة» تتخللها الغابات والحقول، وتشقها المماشى التى تزهو بأشجار الفاكهة، وعناقيد الكروم، وعلى جوانبها كل أصناف النخيل والزهور، لتتحول «الواحة» من صفرة الموت فى الصحراء، إلى خُضرة البعث الفردوسية بعد سنوات من العرق والصمود، والنحت فى الصخر.
«سيكم» كانت «فكرة» فى رأسه.. قرر إنشاءها على أرض الواقع.. وكان الهدف: كيف تتحول إلى «نموذج» لمجتمع خصب منتج، يقوم على أسس متعاونة متكاملة ومتكافلة.. ليصبح بعد تحققه قابلاً للتكرار، فتتعدَّد الخصوبة على كل خارطة مصر.. وهكذا يمكن محو الجدب بالخصب.. جدب الأرض، وجدب الإنسان!!
عاد إلى مصر عام 1978، ليقابل المهندس إبراهيم شكرى -وزير الزراعة أيام السادات- ليشرح له الفكرة التى بهرت الجميع.. وبدأت الحدوتة فى بقعة مساحتها 140 فداناً من الرمل والحصى بقلب صحراء بلبيس، لا تسمع فيها سوى صفير الرياح!!
20 سنة قايم نايم ليحقق حلمه.. وبدأت سلسلة المصاعب
«مقال فى جرنال كبير»، بمانشيت عريض يقول:
أبوالعيش.. والزراعة الحيوية للأثرياء.. وكيف سيتم تأمين غذاء الملايين، دون الاعتماد على الأسمدة الصناعية.. وحملة ضارية على الرجل ومشروعه.. وراء الحملة شركات الأسمدة والمبيدات التى استأجرت من يكتب كذباً أنه: من «عبدة الشيطان».. ليه؟!!
لأنهم فى الشركة أقاموا بيوتاً دائرية، وأن العمال كل يوم خميس يقفون فى دائرة، يتحدثون عن برنامج الأسبوع التالى.. وإشاعات أشعلت الفتنة، وتصدى العوام للعاملين فى هذه الشركة، بالسب والقذف بالحجارة، ودخل على الخط «أئمة المساجد» المحيطة يرددون هذه الإشاعات ويضيفون إليها.. ولك أن تتصور الحرب على المشروع وأصحابه.. بعد أن حقق الحلم، وأصبحت الفكرة «واقعاً ملموساً»!!
اليوم أصبحت الزراعة الحيوية منتشرة، وأغلبها للتصدير، بلا مبيدات أو سموم.. والأهم أن الرجل أقام «جامعة» لتعليم الشباب الكيمياء والعلوم والهندسة و...
بعد أن علَّم وما زال يُعلِّم أطفال المنطقة الموسيقى والفنون والغناء، والشباب يتدرب على مهن مختلفة، ويكتسب مهارات جديدة.. لتصبح «الفكرة» شعاع نور يضىء منطقة بلبيس، ويكشح عنها ظلام الجهل، فيُبعد عنها كارهى الحياة.. بعد أن نفَّذ عدة مشروعات تنموية مجتمعية، فى القرى الـ13 المحيطة بريف الشرقية (خدمات صحية وتعليمية، خدمات فى التدريب التحويلى، وتمويل للمشروعات الصغيرة، وتمكين المرأة و...).
تحية لهذا الرجل المصرى العظيم.. الحائز على جائزة نوبل البديلة (عن «الحياة العادلة»، من البرلمان السويدى بإستكهولم) فى التنمية الإنسانية والمجتمعية المستدامة.. واختياره من مؤسسة شوارب السويسرية «كرائد للعمل الاقتصادى العالمى»، وعضو مؤسس فى مجلس مستقبل العالم فى ألمانيا!!
صباح الخير سيادة الرئيس
أرجوك يا ريس.. أن تستمع لمثل هؤلاء الخبراء، من أصحاب التجارب فى غزو الصحراء والتنمية المستدامة، قبل أن تغوص أقدامنا فى صحراء المليون فدان، وقبل أن يرحلوا عنا، وتُدفَن معهم «تجارب إنسانية» غير عادية!!