خرج المستشار «أحمد الزند» -عشية جمعة الشريعة- ووقف فى اجتماع الجمعية العمومية الأخيرة لنادى القضاة قائلاً: «نحن بالشعب ومع الشعب.. وإذا لم تستجِب اللجنة التأسيسية لمطالب القضاة فى مشروع الدستور.. فلن يرى الدستور النور»، وفى الجمعة ذاتها التى رضى الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل بتسميتها «جمعة قندهار»، وقف يقول بالفم «المليان»: «إذا كان نادى القضاة والقضاة يريدون أن يهددوا الشعب.. فلا كان نادى القضاة، ولا كان القضاة».. وفى شارع «محمد محمود» كانت هناك اشتباكات بالأيدى بين شباب الإسلاميين وشباب الجرافيتى، بسبب قيام الإسلاميين بمحوها وكتابة آيات قرآنية بدلاً منها، لأن الإسلام يحرم التصوير.
وفى الوقت الذى بدأ فيه الإسلاميون يتدفقون على ميدان التحرير بعد صلاة الجمعة كان الرئيس «محمد مرسى» يخطب كعادته بعد أداء الصلاة بمسجد «الفاروق»، داعياً من يرفضون إغلاق المحلات التجارية فى العاشرة مساء إلى النوم «بدرى»، حتى يستطيعوا الاستيقاظ لأداء صلاة الفجر، ونصح بضرورة البعد عن «المهاترات التى يسهر فيها الناس إلى ما بعد الواحدة والثانية من منتصف الليل»، وتساءل: «متى ينام هؤلاء؟ ومتى يصلّون الفجر الذى يرفع أذانه فى الخامسة إلا الربع؟».. قبلها بساعات خرج «الأنبا بولا» المسئول عن إعداد مراسم «تجليس» البابا «تواضروس الثانى»، وأعلن أن الكنيسة لن توجه دعوة للدكتور «محمد مرسى» ولا لأى من المسئولين لحضور حفل التجليس، وأن من يريد الحضور عليه أن يتقدم بطلب. وقبل هذه الأحداث بأيام، نظّم أصحاب المحال التجارية مسيرة ضد «قطع العيش»، وبالتوازى معها أعلنت وزارة البترول أنها لن تلبى مطالب وزارة الكهرباء، بزيادة مقررات الغاز والمازوت المقرر لمحطات الكهرباء، إلا إذا ألزمت الحكومة أصحاب المحلات التجارية بالإغلاق فى العاشرة مساء.
ماذا تفهم من هذا المشهد «السمك لبن تمر هندى»؟. أظنك تتفق معى فى أننا لم نعُد فى دولة بل أصبحت كل مؤسسة من مؤسساتنا ولاية مستقلة عن أخواتها.. فالقضاة ولاية، والسلفيون ولاية، والرئاسة ولاية، والكنيسة ولاية، ورسامو الجرافيتى ولاية، وأصحاب المحلات التجارية ولاية، وكل وزارة ولاية. وترى كل ولاية أنها مستقلة عن الأخرى، وحينما تختلف مع جيرانها من الأشقاء المصريين، فإنها تستخدم لغة التحذير والتهديد والوعيد. لقد أصبحت مصر فى الواقع مجموعة من الولايات، لكن أحذرك -انسياقاً وراء اللغة السائدة- من الظن بأن هذا التحول يعد نذير تفكك. فأتصور أننا سنستفيد من تجربة الولايات المتحدة الأمريكية، التى كانت فى الأصل مجموعة من الولايات «غير المتحدة»، خاضت فيما بينها حروباً مريرة، تحولت بعدها إلى الاتحاد.. نحن الآن نعيش مرحلة: الولايات المصرية «غير المتحدة».. وكل آت قريب!.