يستخدم آحاد الناس طرقاً شتى لإقناع غيرهم بأفكارهم أو ببضاعتهم، قد تتم هذه الوسائل ببراءة وبلا وعى أو به، وقد يكون المرء صادقاً ومخلصاً، وقد تصاحبها وسائل تتفاوت ما بين النوايا والأهداف غير الطيبة وتمتد للنصب، هناك للأسف طرق شتى وعدد ضخم من المراوغات وطرق الاحتيال التى تجعل من الفكرة الضارة فكرة مقبولة ومرحباً بها ومُدافَعاً عنها، والأمر يهون بقدر إن تعلق بمصالح بين الأفراد وبعضهم البعض، لأن كل فرد يعرف مصلحته ويدافع عنها ولديه قرون استشعار بالخطر الذى يحدق به، ربما يفلت الأمر أحياناً، ولكن الخطر العظيم هو استخدام وسائل غير منطقية ولا أخلاقية بل واحتيالية فى إقناع الجمهور العام والجماعات العريضة من الناس لتمرير سلعة أو أفكار أو سياسات، هنا يقل التفكير الفردى الخاص، لأن الأمر لا يتعلق بمصلحة خاصة، بل يساق الفرد فى تفكيره وفى قبوله مع الجماعة،الأفراد العاديون لا يرهقون أنفسهم فى التفكير فيما يخص الجماعة كما هو الحال عندما يتعلق الأمر بذواتهم، رغم أن ما قد ينجم عن قرار يخص الجماعة قد يضر مصالح وحياة الأفراد بأكثر من قرار خاص يتخذونه لأنفسهم، يغلب على غالبية الأفراد القناعة أن الصواب هو ما يؤمنون به ويصدقونه، وفى الواقع فإن ما يؤمنون به هو الأفكار المتوارثة والتقاليد والعادات الاجتماعية والزمن القديم الجميل! ثم إنهم يعتقدون أن الصواب هو أيضاً ما تجمع عليه الجماعة!
اختلاف الأفراد عن الجماعة فى تفكيرهم مرهق نفسياً واجتماعياً لهم، ويجب على المختلف أن يستعد لذلك الإرهاق ولإحساس الغربة أو الاغتراب الناتج عنه، قليل من الأفراد العرب هو من على استعداد لقبول ذلك الثمن ودفعه، العرب جربوا ذلك فى بيوتهم، وتيقنوا من نتائجه للأسف فى مدارسهم وجامعاتهم التلقينية المُحَفِظة، المُختلِف يُنبذ بالبيت ويَسقط بدور العلم والتربية العربية، والمطيع التابع يحظى بالمكانة عند الأب والمعلم وعند السلطة، تنتهى تلك التربية بترسيخ خصلة التبعية والاهتمام بمنفعة الذات وتجنب التفكير فيما يخص العام والقيم العليا إلا فيما يخص الذات، والتعليم بوصفه تلقينياً يفرز عقولاً قاصرة عن أن تدرك بالضبط ارتباط الخاص بالعام وعدم انفصالهما، والخلاصة أن تلك الذات لا تنفع لا نفسها ولا مجتمعها بسبب تربية وتعليم فاسدين، ويستغل السياسيون والسلطويون والإعلاميون الموالون هذه التربية وهذا الاعتقاد عند المواطنين وأساسه الخوف على ما يؤمنون به وما لقنوه أن قيمهم وأخلاقهم ومجتمعهم وأفكارهم هى الأفضل والأمثل فى الدنيا، فيتخذون من أجل مكانة أعمق وحصد تأييد وولاء أعرض مظهر المدافع المخلص عن التقاليد والمعتقدات والمقدسات والوطنية ويتهمون معارضيهم وخصومهم أنهم يحطمون تلك التقاليد والمعتقدات والمقدسات، قد تكون المقدسات هى البلد الذى يريدون هدمه والتهامه! فيؤلبون الجماهير ضد خصومهم، ليكسبوها فى صفهم ويمرروا أهدافهم الأخرى بطريقة أيسر، وقد يؤكدون ذلك الخطاب السلطوى والإعلامى عملياً، مثلاً بالدفع بمزيد من قضايا مثل ازدراء الأديان أو قضايا أخلاقية وآداب، والتركيز على ذلك إعلامياً حتى مع من يوالونهم من جماعات وأحزاب كما حدث الأسبوع الماضى، ثم إن هذه القضايا والمناقشات تنفعهم فى السحب من حيز الوقت المتاح لمناقشة الإنجاز الحقيقى فى أمور السياسة أى فى مصالح الناس ومنافعهم، ثم إنهم قد ينافسون خصومهم من دعاة تلك المعتقدات والتقاليد أنفسها فيزيدون أعمالهم وسقف خطابهم عن سقف أولئك ليحدوا خطابهم ونفوذه ويستفيدوا أيضاً كما فعل السادات مثلاً بوضع مادة الشريعة فى الدستور ولكنه قرن ذلك بتمديد مدة الرئاسة (هدفه الرئيسى) ليصمت الجميع وإلى اليوم أمام الرئيس المؤمن الذى يحمى معتقداتنا ومقدساتنا وديننا الحنيف!
الجميع خاف من الجميع!