لا شعب فى هذا العالم قادر على صناعة الضحك بقدر المصريين، هذه حقيقة لا شك فيها، نحن نضحك طوال الوقت، من أى شىء وعلى أى شىء، فى الحزن والفرح، فى الهزيمة والنصر، فى المآتم وحفلات الزفاف، بارعون فى ابتكار النكات والقفشات والإفيهات والقلش، لكننا فى الحقيقة تعساء، فاشلون فى صناعة فيلم ضاحك حقيقى، على عكس الغرب: شعوب صارمة ثقيلة الظل لكنها قادرة على صناعة فيلم كوميدى حقيقى.
صناعة النكتة لا تحتاج سوى بضع جمل، أما صناعة فيلم فإنها تشييد عالم كامل. وما ينطبق على النكتة ينطبق أيضاً على كل حياتنا، كل شىء نصنعه يبدو جميلاً بمفرده، لكنه يبدو متنافراً وقبيحاً عندما نضعه بجوار أشياء أخرى صنعناها، كل شرفة فى عماراتنا تختلف عما يجاورها، وكل عمارة تختلف عما يجاورها، لذلك تحولت شوارعنا إلى لوحة موزايكو قبيحة.
قماش الستائر لا يتناسب مع لون الحوائط والأثاث. لذلك تبدو بيوتنا مزدحمة بأشياء لا معنى لها. يجيد صنّاعنا ابتكار تحايلات صغيرة لحل المشكلات، الخرّاط يصنع قطعة مماثلة تماماً لأى جزء تالف من معداتنا لكنه غير قادر على تصميم آلة، نصمم حياتنا كلها على فكرة التحايل عملاً بالمبدأ القديم «الجيش قالك اتصرف». هذا التصرف العبقرى الانفرادى الخلاق هو نفسه صانع العشوائية، شعب كل واحد فيه موهوب، لكنه فى المشهد النهائى يبدو كفرقة موسيقية يعزف كل فرد فيها نغمته الخاصة الجميلة، لكن مجموع هذه النغمات الجميلة هو ضوضاء لا تنتهى.
وعلى قدر قبحنا تتصرف حكوماتنا منذ عصر السادات، هى نفسها فكرة الترقيع، لا شىء يبدأ من الصفر، بل مساحيق تجميل فوق مساحيق تجميل، حتى تحولت مصر إلى عجوز شمطاء متصابية.
كيف إذن تتحرك الشعوب وتصنع مصيرها؟
بهذه الفوضوية العارمة التى أسقطت ثورتين كبيرتين لا يمكنك أن تراهن على أى تغيير، لا بد أن تُسلّم بأن إصلاح منظومة الخبز أو حفر قناة السويس الجديدة وبناء عاصمة إدارية وصوامع للغلال، لن يفيد شيئاً فى تجميل الخراب الذى صنعناه بأيادينا. تحتاج الأوطان دائماً إلى مايسترو، لديه رؤية ومشروع مجتمعى بالأساس، يسيطر على هذه الإرادات الخلاقة لدى شعبه ليوجهها إلى طريق المستقبل.
أى نظام حكم لا يدرك أن الشعب هو الحل، سيفشل حتماً، وأى نظام حكم يتعامل بسياسة الترقيع والحلول المسكنة سيفشل حتماً، أى نظام حكم يتعامل مع الوطن باعتباره عمارة يمكن تنكيسها وتدعيمها بدلاً من إزالتها وبنائها من جديد، فإنها ستنهار فوقه وفوق شعبه، كم عمارة فى هذا الوطن تستحق الإزالة: عمارة التعليم، الصحة، الأمن؟ فى الحقيقة أرى أن كل عمارات دولتنا تجب إزالتها.. فهل يستطيع السيسى؟