وصلتنى رسالة يوم الجمعة يؤكد صاحبها أن اللغة العربية تظلم المرأة ونشرتها متسائلاً باستنكار «هل ستنضم اللغة العربية إلى طابور مضطهدى المرأة، ألا تكفيها التأسيسية والأحزاب التى تطلق على نفسها إسلامية؟!»، واليوم أنشر رسالتين دفاعاً عن اللغة ودفعاً لهذا الاتهام وتفنيداً له.
الرسالة الأولى من الأستاذ إبراهيم السايح يقول فيها:
1- فى كل اللغات وليس العربية فقط توضع الصفة فى المذكر إن كان الموصوف يتضمن أى عدد من الإناث والأشياء ومعهم مذكر واحد، هذا الكلام موجود فى اليونانية واللاتينية قديما وفى الفرنسية واللغات القابلة للصرف (inflexional) حديثا.
2- منع التنوين لا ينسحب على الأسماء المؤنثة فقط ولكنه يشمل أسماء لذكور مثل إبراهيم وإسماعيل (إلخ).
3- أسماء الكوارث والمصائب معظمها مؤنث فى كل اللغات، وابحث بنفسك فى اليونانية واللاتينية والفرنسية (إلخ) حتى تتأكد من هذه الحقيقة.
4- بعض الأسماء المذكرة تجمع فى صيغة المؤنث (عكس ما قيل) ومنها -مثلا- مقال (مقالات) ريال (ريالات).. إلخ.
5- اللغة العربية أفضل من لغات أخرى كثيرة فى قضية التذكير والتأنيث، حيث لا يوجد فى الإنجليزية -مثلا- سبيل لتحويل المذكر إلى مؤنث فى الوظائف أو الصفات فيما عدا كلمات نادرة للغاية، ونفس الشىء فى معظم اللغات الأوروبية عدا الألمانية، والصفة وأداة التعريف فى الفرنسية والإيطالية ولغات هذه العائلة أو الشجرة اللغوية.
الرسالة الثانية من أستاذ جراحة العظام د.يحيى طراف يقول فيها:
اسمح لى أن أقف محامياً عن اللغة فأدفع عنها الاتهامات مطالباً لها بالبراءة من تهمة العنصرية واضطهاد المرأة:
حقيقة أنه إذا كان هناك مفردان أحدهما مذكر، أو خاطبت مجموعة فتيات دخل عليهن ذكر واحد فإن صيغتى التثنية والجمع تكونان للمذكر، إنما تقوم دليلاً على حرص اللغة العربية على نقاء وتنقية عنصر الإناث فيها، فلا يختص بهذا الخطاب إلا الإناث وحدهن بغير أى شائبة. تماماً كما لو خاطبت مجموعة من الفائزين بميداليات أولمبية فستقول أيها الفائزون، فإذا دخل عليهم زميل لهم لم يفز بشىء، تغير الخطاب من فوره مهما كثر عدد الفائزين إلى أيها الرياضيون أو اللاعبون، لأن الفائزين عندئذ قد شابتهم شائبة وإن صغرت أذهبت نقاءهم، فلا يجوز عندئذ مخاطبة الجميع بالفائزين حفاظاً على قدر من فاز.
أما منع العلم المؤنث من التنوين، فهو لا يمنع على إطلاقه إلا أن يكون هناك سبب كأن يكون أعجمياً، مثله فى ذلك مثل العلم الأعجمى المذكر. فالشاعر يقول «أهيم بدعدٍ ما حييت فإن أمت..... فواحزنى من ذا يهيم بها بعدى»، وهناك سهيلة وبثينة وحنيفة وسمية ورقية إلخ وكلها تُنوَّن. أما جمع غير العاقل جمعاً مؤنثاً، فيقابله تعظيم الجمع من العاقل وغير العاقل بجمعه مرة أخرى إلى جمع المؤنث السالم تفخيماً له، كقولنا رجالات وكبارات وبيوتات وفتوحات.
أما الإيحاء بتفضيل الذكر على الأنثى كما فى لفظى فحول الشعراء والجنس الآخر؛ فنحن كذلك نقول أمهات الكتب، كما أن الأول ليس الأفضل من الآخر دائماً أو أدنى منه مرتبة، فالله تعالى يقول «والآخرة خير وأبقى»، وليس من ثمة مقارنة هنا بين الحياتين الآخرة والأولى.
أما تذكير كلمات السلطة حتى لو شغلتها امرأة كقولنا لها وزير ومدير عام ونائب ورئيس فهو خطؤنا نحن وليس خطأ اللغة، ولست أرى سبباً لعدم قولنا وزيرة وأستاذة ومديرة (عام أو عمومية). بل فى البرتغال، وأعتقد بعض البلاد اللاتينية الأخرى، يكتبون دكتورة كما ننطقها مؤنثة (.Dra) وذلك للتمييز بين الذكر والأنثى وهو ما لا تستطيعه اللغات الحية الأخرى، كما أن مناصب الرجل قد تؤنث لتعظيم مكانة صاحبها وما بلغ من شأوٍ رفيع فيها كقولنا داعية إسلامى ونابغة إلخ.