المؤلفة قلوبهم نظام خاص بالمسلمين فى بداية الدعوة دون الديانات الأخرى، ويُقصد به المسلم والكافر. المسلم هو من دخل الإسلام ولم يثبت الإيمان فى قلبه. ويُعطى سهماً من الصدقات أو الغنائم خوفاً من ردته ولتثبيته على الإيمان. والكافر هو من كان على كفره (غير المسلم فى بلاد الإسلام أو بلاد الكفر) وله مكانة وقامة فى قومه، يُدفع له نصيب، إما لاستمالته للإسلام، أو استمالة من هم تحت إمرته، أو دفع أذاه وضرره واتقاء شره، أو استقطابه للتعاون مع المسلمين. ولقد دفع الرسول (صلى الله عليه وسلم) نصيباً من الغنائم لأبى سفيان بن حرب وغيره لاستمالتهم، وإتقاء لشرهم وطلباً لحيادهم.
القرطبى يراهم ثلاثة يقول: «المؤلفة قلوبهم ثلاثة أولهم من يرجع بالبرهان، وثانيهم من يرجع بالقهر، وثالثهم من يرجع بالإحسان»! ويقول القرطبى أيضاً: «لقد أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤلفة قلوبهم أموالاً من غنائم غزوة حنين، ولقد أسلم كثير منهم، لأن الإنسان مجبول على حب من أحسن إليه»!!
يقول الطبرى: «هم قوم كانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أعطاهم وأصابوا من الغنائم نصيباً، قالوا هذا دين صالح، وإذا كان غير ذلك عابوه وتركوه»!! يقول أحمد بن حنبل عن صفوان بن أمية وكان مشركاً، حين أخذ من غنائم حنين قال: أعطانى رسول الله يوم حنين وكان أبغض الناس إلىّ، فما زال يعطينى حتى أصبح أحب الناس إلى»!! قال البعض هذه رشوة واضحة، فكيف يدخل الإسلام من يُشترى إسلامه بالمال؟ ردوا عليهم وقالوا: «ليست رشوة لأن الرشوة تُدفع لمن يعين على إبطال حق، أو إخفاق باطل». قالوا: الرشوة رشوة وهى الدفع فى غير محله، ولا يجوز أن يكون الطريق إلى الله بما نهانا الله عنه، فكيف يلعنون الراشى والمرتشى ويرشون. قالوا: نشترى من الناس الباطل ونبيع لهم الحق. قلت للاثنين: انتظرا لآخر المقال. قال الفقهاء: إن المسلمين إذا احتاجوا دفع سهم من الصدقات أو الغنائم للمؤلفة قلوبهم لمصلحة، دفعوا فى أى وقت وأى زمان. وهذا ما يؤمن به الدواعش وكل جماعات الجهاد، لاستمالة المسلم فى ديار الردة كما يقولون، أو الكافر من بلاد الشرك لخدمة الجهاد كما يدعون.
ونوجز الأمر فى عدة نقاط حول منهج الجماعات عن المؤلفة قلوبهم. أولاً: أن جيش دولة الكفر وجيش دولة المرتدين كلاهما أعداء الدين، ولاؤهم للحاكم الذى يوفر لهم سبل الحياة، وهم فى غفلة عن الآخرة، ويمكن استقطاب بعضهم بالمال حتى نضمن على الأقل وقوفهم على الحياد بدفع سهم من أموال الصدقات لهم. ولقد نجحوا فى بلاد، وفشلوا فى مصر.
ثانياً: المؤلفة قلوبهم يقاتلون مع الجهاديين من أجل المال وليس من أجل إعلاء كلمة الله، ولذلك فلا أجر لهم فى الآخرة، أما إذا كانت نيته فى إعلاء كلمة الله أصبح لها نصيب مع حبه لجمع المال بعد فترة من الجهاد، فيؤجر فى الآخرة حسب ترتيب وأولوية الاثنين أيهما يسبق الآخر.
ثالثاً: لما كان ولاؤهم للمال فقط، فإن استقطابهم بالمال وتعاملهم مع أهل الإيمان والجهاد قد يحبب الإيمان إلى نفوسهم، ويزين الجهاد فى قلوبهم بلا ثمن أو مقابل، ويقدمون أرواحهم حباً إلى الله وقرباً إليه، ويكونون قد نجحوا فى تحويلهم من المؤلفة قلوبهم إلى مجاهدين صدقاً وليس شراء بالمال.
رابعاً: استقطاب المطحونين والفقراء والبلطجية وأولاد الشوارع، وهم أسرع الناس لتأليف قلوبهم لعوزهم وحاجتهم وفقرهم (كما يعتقدون)، وهم الفئة المؤهلة بامتياز للعمل معهم إذا حصلوا على المال، واستخدامهم فى العمليات والتفجيرات لعدم معرفة الأنظمة بهم.
خامساً: إذا ارتد بعض المؤلفة قلوبهم حين الجهاد، فإن هذا الأمر مقبول، ولا يزعجهم، وحدث أيام الرسول ذلك (منهم من ترك الرسول لقلة نصيبه من الغنائم)، وفى هذا مصلحة، فالمؤمنون الصامدون يعرفون بذلك طبائع الناس فيكون ذلك سبباً لزيادة إيمانهم وتمسكهم ببذل النفس ومضاعفة الجهد عوضاً عن هؤلاء.
اختلف المشايخ فى شرعية وجود المؤلفة قلوبهم الآن من عدمه، وهل يمكن إشراكهم فى الجهاد وأخذ نصيبهم من الغنائم؟ قال البعض: لا حاجة للمؤلفة قلوبهم الآن، ولا حق لهم فى الصدقات أو الغنائم. قال الحسن: أما المؤلَّفَة قلوبهمْ فليسَ اليوم، وعن عامر: قال عمر بن الخطاب: لا مؤلفة قلوبهم بعد قوة (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، فالمسلمون لجأوا للمؤلفة قلوبهم فى فترة الاستضعاف، ولاحاجة لهم فى فترة الاستقواء. وقال أيضاً ولما ولى أبوبكر انقطعت الرَّشا (لاحظ كلمة الرشوة). الجماعات الجهادية تؤمن بالالتزام بالنص، وأن الإسلام فى حالة حرب مع كل من يقف فى سبيل إعلاء كلمة الله، وهم مستضعفون فى الأرض. ويستتبع الأمر العودة لكافة أحكام الاستضعاف، منها الاستعانة بالمؤلفة قلوبهم، التقية، جمع الغنائم بالاستيلاء على أموال غير المسلمين أو المرتدين لتمويل العمليات الجهادية، جهاد النكاح (المتعة) ترويح عن النفس، وأحكام كثيرة غيرها. الطريق إلى الله عند هؤلاء الغوغاء مباح فيه الكذب، ومباح فيه الجهاد مدفوع الأجر. وأكبر كذبة وخدعة أن هذه الجماعات تعتبر الديمقراطية كفراً بواحاً، لكنها لا تمانع المشاركة فيها للوصول إلى الحكم، حتى إذا وصلوا لكرسى الحكم حرّموا ما أباحوه بالأمس. لا فرق بين الكذبتين. ونرد على السؤال إن أمكن: رشوة أو غير رشوة؟ طريق حق أو طريق باطل؟ طريق إلى الله أو طريق للغنائم والسبايا والنكاح؟