يتناول الفصل الأول فى باب السلطات العامة (الباب الثالث) السلطة التشريعية، فيحدد تكون البرلمان من مجلس النواب ومجلس الشيوخ ويبين قواعد انتخاب أعضاء المجلسين والاختصاصات والصلاحيات التشريعية والرقابية المنوطة بكل منهما.
وإن كان الهدف الرئيسى من فصل السلطة التشريعية فى دستور مصر الجديد وبعد عقود من وجود برلمان بمجلسين لم يكن لمجلسه الثانى (الشورى) إلا دور شكلى هو إما إقرار برلمان المجلس الواحد أو إضفاء شرعية حقيقية على نظام المجلسين عبر اختصاصات وصلاحيات محددة لكليهما، فإن الصياغة الحالية تتناقض معه.
وإن كان هدف رئيسى آخر لفصل السلطة التشريعية فى دستور مصر الجديد وبعد عقود من استتباع السلطة التنفيذية للبرلمان هو إنشاء برلمان فعال يمارس اختصاصه التشريعى والرقابى على نحو غير منقوص وله سيادة غير مشروطة على الموازنة العامة بالمناقشة العلنية أو السرية والتعديل والاعتماد والمراقبة، فإن الصياغة الحالية لا تحققه أيضاً.
فبعيدا عن تنوع شروط الترشح بين مجلس نواب يشترط فى المترشح له الحصول على شهادة إتمام التعليم الأساسى (مادة 113) ومجلس شيوخ يشترط له الحصول على إحدى شهادات التعليم العالى (مادة 130)، تقر الصياغة الحالية لفصل السلطة التشريعية نظام المجلسين مستندة إلى المادة 102 التى تلزم فى نصها مجلسى البرلمان بإرسال كل مشروع قانون يقرره أحدهما إلى المجلس الآخر وتقضى بضرورة موافقة المجلسين على كل مشروع قانون كى يصبح قانونا.
وبينما تحدد اختصاصات وصلاحيات مجلس النواب (350 عضوا على الأقل) فى المادة 115 بإقرار السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة وممارسة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، ليس لمجلس الشيوخ إلا اختصاص الموافقة المشتركة مع مجلس النواب على القوانين (الاختصاص التشريعى المشترك فى المادة 102) وله عند حل مجلس النواب اختصاص تشريعى منفرد ويستطيع إقرار القوانين مع الالتزام بعرضها على مجلس النواب فور انعقاده مجددا لكى يقرر الأخير ما يراه بشأنها (المادة 133).
وفيما عدا هذا، لا يرد فى الصياغة الحالية لفصل السلطة التشريعية اختصاصات أو صلاحيات محددة لمجلس الشيوخ، هو فقط شريك فى مناقشة وإقرار القوانين وينفرد بهذا الاختصاص عند حل مجلس النواب ووجوده هو ولا صلاحيات رقابية له بشأن السلطة التنفيذية وأعمالها. فهل بهذا البناء الدستورى ما يبرر إقرار نظام المجلسين فى دولة موحدة كمصر ليست كالدول الاتحادية التى تحتاج دائما فى برلماناتها لمجلسين (كالولايات المتحدة الرئاسية وألمانيا البرلمانية وغيرهما)؟ هل بهذا البناء الدستورى ما يضفى على إنشاء مجلس الشيوخ شرعية سياسية ووظيفية ليس لها أن تستمد إلا من اختصاصات وصلاحيات محددة ومتمايزة عن تلك المقررة لمجلس النواب ومتكاملة معها وتكفل فى ذات الوقت تحقيق رقابة متبادلة بين مجلسى البرلمان؟ هل بهذا البناء الدستورى ما يقنع المواطنات والمواطنين من دافعى الضرائب بأن الأموال التى ستنفق على انتخابات مجلس الشيوخ وعلى أعضائه وعلى المجلس وجهازه الإدارى لن تنفق هباء وأنها ستذهب لإنشاء مجلس تشريعى ثان له اختصاصات وصلاحيات حقيقية؟
الإجابة هى بـ«لا» قاطعة، وليست مصر باختصاصات وصلاحيات مجلس الشيوخ المنصوص عليها فى الصياغة الحالية لفصل السلطة التشريعية باحتياج له أو لإهدار المزيد من المال العام وأموال دافعى الضرائب على انتخاباته وجهازه الإدارى أو لإعطاء رئيس الجمهورية مجددا حق التدخل فى تكوين السلطة التشريعية عبر تعيين بعض أعضاء مجلس الشيوخ (لا يزيدون عن عشرة وفقا لنص المادة 130). والأجدر هو إلغاؤه واعتماد نظام المجلس الواحد مع زيادة عدد أعضاء مجلس النواب.