يعد الخطاب الدينى من أهم العوامل المؤثرة فى واقع حال المرأة المصرية. فبالرغم من تأكيد الجهات الدينية الرسمية مثل الأزهر الشريف على مساواة النساء والرجال وإصدار الأزهر وثيقة لحقوق المرأة، فإنه بنظرة فاحصة لوضع النساء فى مصر نجد أنه عادة ما ينأى الواقع الفعلى عن هذه المساواة المطروحة نظرياً.
ونحن نسعى إلى تجديد الخطاب الدينى لا بد من النظر إلى مقاصد الشريعة والعمل على إعلاء القيم الأخلاقية التى تسمو بالإنسان وانتشال المسلمين من الغرق فى أسر بعض تجار الدين الذين سعوا إلى غرس أظافرهم فى عروق الحياة للسيطرة على كل تفاصيلها دون ترك مساحة لإعمال العقل حتى فى أصغر الأشياء، أيضاً نحتاج إلى معرفة الإشكاليات التى نجح المتاجرون لتحويلها إلى قضايا ملحة وذلك كخطوة أولى للرد عليها ثم المساعدة فى إعادة ترتيب الأجندة طبقاً لمقاصد الشريعة وإعلاء إنسانية الإنسان وإسعاد البشر.
وهنا يمكن رصد بعض الإشكاليات التى وجدتها مطروحة على ما يسمى «مواقع إسلامية»، منها الزواج المبكر الذى يعد انتهاكاً لحقوق الطفلة حسب الفطرة السليمة حيث لا تتوافر لديها القدرة العقلية على القبول والإيجاب الكامل والحر لطرفى عقد الزواج، فعقد الزواج يترتب عليه التزامات ضخمة تحمل المرأة مسئوليات نفسية وجسمانية كبيرة مع الالتزامات الاجتماعية وجسمانية مثل الحمل والرضاعة لا يكون عقل أو جسد الطفلة مستعداً لها، ورغم ذلك يوجد أكثر من 4 ملايين طفلة متزوجة، زيجات تمت بدعم رأى المتصدرين للخطاب الدينى فى الزواج المبكر، سواء بتأثير مشايخ الخليج الذين أثروا فى حياة ملايين المصريين الذين ذهبوا للعمل وعادوا بهذه الأفكار أو بتأثير مشايخ مصريين تأثروا أيضاً بأفكار محافظة نشرتها قوة البترودولار، منها فتوى مفتى السعودية بجواز زواج الصغيرة، أيدها رئيس جمعية القرآن والسنة السلفية بالمغرب بينما رد عليه المجلس العلمى الأعلى بالمغرب، وهو الهيئة المختصة بالإفتاء، ببيان شديد اللهجة وصف صاحب هذه الفتوى بأنه «فتان ضال مضل».
فى مصر موقف بعض مشايخ الأزهر لا يختلف كثيراً فى معارضة رفع السن القانونية لزواج الفتيات مستنداً لقاعدة أن «الأصل فى الأمور هو الإباحة»، وأن أولياء الأمور الذين يزوجون بناتهم وهن ليس عندهن القدرة على التمييز بين المناسب وغير المناسب وِلايَتُهم لا تكون باطلة، بل ويهاجمون المشايخ الذين يرون ذلك تعسفاً فى استخدام حق الولاية، وولايتهم تكون باطلة ولا يجب أن يتأثر بشأنهم عموم الناس.
وتؤكد مواقع عديدة تسمى «إسلامية» شرعية زواج الصغار وفق ضوابط نص عليها أهل العلم أسوة بما يدعونه من زواج الرسول من عائشة ذات السنوات التسع طبقاً لروايات عدة، أما بعض العلماء فقد أفادوا فى أبحاث بعدم صحة هذه الروايات وبحسابات السنين لسن عائشة عند وفاة الرسول وسنها فى موقعة الجمل ثبت أن عائشة كان عندها ثمانى عشرة سنة عند الزواج، لكن هناك إصراراً على عدم عرض مثل هذه الاجتهادات للعوام لأسباب خاصة بالمصالح الشخصية أكثر منها مصالح دينية، وسواء كانت الحسابات الزمنية تكذب رواية زواج الرسول من السيدة عائشة وهى طفلة أو غير ذلك فمن الضرورى احترام التطور الزمنى والعلمى الذى أفاد بأن كثيراً من المعاملات ربما كانت صالحة لعصر معين محكوم بظروف معينة لكنها ليست صالحة لعصرنا وأن ضررها فتاك وحتى يكون ديننا صالحاً لكل زمان ومكان من المهم الأخذ بأسباب العلم والتأكيد على احترام إنسانية الإنسان سواء وهو طفل أو بالغ.