كان لأحد رجال الدعاية والإعلان الكبار تصريح قديم ذكر فيه أن شهر رمضان يستحوذ على حوالى 60% من أرباح الإعلانات فى العام الواحد، ولهذا كان قبلاً يفتح قناته الفضائية فى هذا الشهر الكريم فقط ثم يغلقها مع نهايته.
ما يعنينا هنا هو الآلية التى يستخدمها المعلِنون للتأثير على الجمهور المستهدف، التى تؤدى إلى زيادة الأرباح والمبيعات سواء كانت هذه السلع ذات قيمة حقيقية وصحيحة أم لا، وسواء كانت الناس فى احتياج حقيقى لها أم لا.
استراتيجية المعلنين كما هى استراتيجية الإعلام الموجه والسلطويين والسياسيين والخطباء إلا استثناءات قليلة من كل هؤلاء تعتمد الأنانية والمطامع أساساً لتمرير المنتج باستثارة عواطف وغرائز الجمهور فى البدء والأصل، لا عقله ولا فكره، وتوجيه هذا الخطاب العاطفى مباشرة للجمهور المقصود، قد يصل الخطاب للهجوم المباشر والبيع بالأمر، مثل ذلك الإعلان الذى يقول (اشرب كذا) أو (استرجل واشرب كذا) ويتم ذلك دون أن يرهق المعلن نفسه ببيان أسباب لنشرب هذا بالذات، والملاحظ أن الأطفال هم الأكثر خضوعاً واستسلاماً لهذا الأسلوب، وهم أيضاً جمهور مستهدف فى هذه الحالة، ويتم ذلك فى السياسة أيضاً مثل (حتدفع يعنى حتدفع) وفى حملة رئاسية سابقة سرت عبارة (خليك جرىء وانتخب شفىء).
وهناك أيضاً الاعتماد على الاستخفاف ممن لا يعلم شيئاً عن السلعة (السياسة) المراد التسويق لها، مثل ذلك الإعلان عن أحد أنواع الشاى الذى بطله ممثل قدير ونادر يبدد للأسف بمثل هذا الإعلان طاقته وحضوره، وفيه يرد مستخفاً ومستهزئاً بمن يسأله عن الشاى الذى يفضله، مما يصور السائل وكذلك الجمهور المتلقى بالجهل، ويحرجه بذا أمام نفسه والآخرين.
وفى مثل ذلك استخف ماوتسى تونج بمن عيره بهزائمه ورد السخرية عليه ليثبت عزائم رجاله ولتستمر رسالته فيهم: إنها الهزيمة الثالثة عشرة فقط!
وهناك وسيلة التخويف التى يستخدمها المعلنون التجاريون أيضاً، مثلما يفعل رجال السياسة والسلطة وربط ذلك بأسئلة مثل هل ما زلت تستخدم تلك السلعة؟ ولا يذكر اسمها التجارى المنافس وإنما يلمح لها بطريقة لا تضعه تحت طائلة القانون، ويتبع ذلك بأثر سيئ من جراء استخدام منافستِه أو قد يكون المعلن الموجود فى السوق يخشى من سلعة ظهرت لتنافسه فيحذر الجمهور بطريقة ما، مثل ذلك الإعلان الذى اتبعته إحدى شركات المنظفات منذ سنين عند ظهور منافسين، بدأت إعلاناتها تحذر السيدات من الخطر والعطب الذى سيقع للغسالة إن هى استخدمت مسحوقاً غير مسحوقه الذى كان يحتكر السوق، وظلت السيدات أسيرات هذا الخوف لفترة كبيرة، وكانت تلك الشركة تحقق أرباحاً أكثر لأن أسعارها كانت أعلى من مثيلاتها.
وفى كل هذا نعيد التأكيد أن هذه الإعلانات التجارية والخطابات السياسية المغالطة تخاطب مشاعر وعواطف ورغبات وغرائز لا عقل، وأن الذين يتفكرون قليلاً ما يقعون أسرى المغالطات والخطابات الزائفة.
ومعروف استخدام العامل الجنسى فى الإعلانات الذى يستند إلى رغبة المتلقى، امرأة أو رجل، أن يكون جذاباً جنسياً، وللمعلنين عوامل أخرى لجذب الجمهور لمنتجاتهم مثل صور الأطفال أو شخصيات كرتونية محببة، ومثل ماكيتات لعقارات بديعة بحدائق خضراء وحمامات سباحة، وكذلك تطعيم الخطاب بإحصائيات مبالغ فيها أو كاذبة.
يتلاعبون أيضاً بالاعتماد على رغبة الفرد ألا يكون منفصلاً عن الجمهور، فيعلنون مثل هذا (كل الناس عندها كذا / كل الناس تؤيد فلان) أو (ماعدشى حد دلوقتى ماعندوش كذا أو ماعدش حد لا يؤيد سياستنا) مؤكداً أن سلعته هى الشائعة المنتشرة دون غيرها.
والناس لن تضيع وقتاً فى السؤال عن كل: من هم الكل هؤلاء؟ وكيف ومن حدد أنهم الكل؟
إنه يعتمد هنا على أن الناس كثيراً ما تحس بالتوتر من الاختلاف عن الجموع!
من يستقل عن زحام الجموع؟