هل يأتى القرار متأخراً دوماً؟ وهل نبقى فى موقع رد الفعل فى الوقت الذى لا يتوقف فيه العنف عن إعادة تدوير نفسه داخل دائرة قمامة الأفكار المسمومة التى ترفع الغطاء عن عفونة نفوس وعقول وأحلام مريضة، ونحن لا نزال نتعامل معه بآليات ثبت فشلها أو عدم جدواها؟ ما زلنا نعجز عن امتلاك فعل استباقى، بينما يواصل الإرهاب فجوره وانجرافه وتواصل نفوس جاءت من سلالة تطرف مريض وجدت فى العنف حلاً لكل عقدهم، ووجدوا فى تطرفهم رداً على عجز مركب ومعقد، فيشهرون إرهابهم ويغسلون أيديهم فى طين العنف لتمتلئ الذاكرة بالحقد، وتبنى الأيام بخراسانات الكراهية. إننا فى حرب مع نفوس تعانى من إفلاس دينى وتنتقب به لتخفى القبح والغرض والمرض وأثرياء بالعنف وتاريخ مكتوب بالدم والتفجير ليس فقط منذ سبعين عاماً وقت اغتيال أحمد باشا ماهر، ثم الخازندار والنقراشى، مروراً بالشيخ الدهبى والسادات وفرج فودة ورفعت المحجوب وصولاً إلى قائمة طويلة منذ 25 يناير حتى الآن ولكن الميلاد جاء منذ توابع فتنة الحكم بين معاوية وعلى بن أبى طالب، فانقسام الأفكار والطوائف جعل المسلمين فرقاً تتحكم فيها أفكار باغية أو ضالة أو مصنوعة من أجل سطوة وسلطة. ونضجت كل هذه السموم فى الأراضى العربية واستغلتها أطراف دولية تجد فى بقاء بيئة العنف مشتعلة كل الفوائد، فالإرهاب ينجب ذهباً لأغراض وأهداف وسيناريوهات القوى العظمى فى العالم وبالتالى، فقد وجدت فيه غنيمة لاستثماراتها ليصبح الإرهاب صناعة كبرى ويجد فى البيئة المصرية أرضاً شديدة الخصوبة مع تجديد الجهل لنفسه ومع بقاء فساد التشريعات لا بد أن نصل إلى هذه النتيجة التى تجعل رئيس الدولة يشكو من العدالة المغلولة.
التشريع كان ينبغى أن يكون أولوية أولى منذ أول لحظة فلا تقدم ولا عبور ولا انتصار دون تشريع، ولكننا اكتفينا بالحلول التقليدية التى تضر وتؤخر، فقمنا بتشكيل لجنة للإصلاح التشريعى منذ حوالى عام والنتيجة لا شىء فلم يكن الحل لجنة تشريعية بنفس الألية التى حدثت فقد تأخر الوطن كثيراً بسبب بطء التقاضى والفساد التشريعى الذى هو أشد خطورة من أى فساد آخر. الفساد التشريعى إعاقة كاملة للوطن ليس فقط قوانين الإرهاب ولكن قوانين العقوبات والإجراءات وقوانين الأحوال الشخصية.. منظومة من القوانين جميعها لا نستثنى منها قوانين.
فعلى ما تمتلك مصر من قامات فى التشريع يعرف الآخرون عربياً ودولياً قدرهم، يعيش الوطن بين قوانين غير صالحة وعدالة غير ناجزة لنبقى بين قوسى الفشل والهزيمة.
آن الأوان بل تأخر كثيراً، لندرك فداحة الخسائر التى لحقت بنا نتيجة التشريع الخطأ وأن العدالة التشريعية جزء هام من العدالة الاجتماعية ورغم ذلك فنحن لا نمتلك إرادة تغير منظومة هذه القوانين غير الصالحة والبعيدة تماماً عن التعريف العلمى للقوانين فقد كتبت هذه المنظومة التعاسة ورسخت الظلم وأحكمت قبضتها على عنف الوطن، لتعطى للبطء والظلم فائضاً من الكرم. الإهمال وفساد التشريع وتعاسة التعليم منظومة ثلاثية وأسلحة فاسدة فى حربنا ضد الإرهاب، وإذا بقى الحال على ما هو عليه فكيف يكتب الله لنا النصر؟
التعاسة تبدأ من أصغر التفاصيل، فقد أهملنا وعميت بصيرة القوانين والحكومة عن تجارة اللعب بالنار وتركنا البمب والصواريخ والألعاب النارية تتقدم فلم نغلق «مصنع بمب»، ولم نقف أمام تهريب الصواريخ والشماريخ ولم نتحرك وفاتورة ألعاب نار تصل إلى مليار جنيه، بينما لا يوجد قانون يجرمه تركناها فى يد الصبية والبلطجية على السواء لم نعلنها تجارة ممنوعة وكأن معارك التفجيرات التى يشنها شياطين الإرهاب لا تكفى ولا تفى بالغرض الألعاب النارية تشمل أيضاً التحريض على الإرهاب والعنف، فتصريحات أعضاء الجماعة الطلقاء هى أحد أشكال ألعاب النار.