ومع الموجة الحالية تطوق مصر ثلاثة أحزمة من الإرهاب الفعلى أو المحتمل يمكن ذكرها على النحو التالى:
1- هناك حزام يطوق الدولة بكامل ترابها، حيث تنشط تنظيمات تكفيرية وإرهابية فى ليبيا، التى تربطها حدود مع مصر تصل إلى ألف كيلومتر، وتعلن تهديدها صراحة للدولة المصرية، سواء بفعل الاتجاه الغريزى لتلك التنظيمات للدخول فى صراعات حدودية مسلحة لإقامة «إمارة إسلامية» أو لوجود مجموعات قريبة من الإخوان يوظفونها فى الانتقام من السلطة الحالية فى مصر. وقد أُعلن مؤخراً عن قيام تنظيم يسمى «دالم»، أى «الدولة الإسلامية لليبيا ومصر» على غرار «داعش». ومشكلة هذا الحزام وخطورته فى الوقت نفسه أن عمقه يمتد عبر الصحراء الكبرى فى ليبيا ليخترق جنوب الجزائر وصولاً إلى مالى والنيجر وتشاد وحتى السنغال، حيث بقايا ما يعرف بـ«تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى» والذى كان قد سعى لإقامة دويلة فى شمال مالى لولا تدخل فرنسا بتفويض من الغرب للقضاء على هذا المسعى. وحال نجاح اللواء حفتر فى بسط نفوذ قواته على كامل التراب الوطنى الليبى فإنه قد ينجح فى كسر هذا الطوق وتخفيف العبء عن مصر.
وفى الجنوب، حيث السودان، يوجد نظام حكم قريب من جماعة الإخوان، وقد سمحت الخرطوم بدخول عدد كبير من قيادات الإخوان الهاربين من مصر للإقامة بالسودان أو توطئة لتوجههم إلى قطر وتركيا. وفى ظل ادعاءات السودان دوماً بأن لها حقاً فى منطقتى حلايب وشلاتين المصريتين، ومع الخلاف بين البلدين حول مشروع سد النهضة الإثيوبى، يمكن للجبهة الجنوبية أن تتأجج سواء بشكل صريح وسافر أو بطريقة مستترة ومبطنة، خاصة أن السلطة الحاكمة فى السودان استمرأت افتعال مشكلات خارجية لإبعاد المواطنين عن التفكير فى الأوضاع الداخلية، وحشدهم خلف النظام الحاكم.
وفى الشمال الشرقى، هناك قطاع غزة الذى تحكمه حركة حماس، وهى فرع من جماعة الإخوان، وتتهمها مصر دوماً بتغذية الإرهاب فى سيناء عبر الأنفاق، خاصة أن تنظيم «أنصار بيت المقدس» الذى يعلن مسئوليته عن أعمال إرهابية متتابعة فى مصر هو فلسطينى النشأة، من بين التنظيمات الجهادية فى غزة.
2- هناك حزام يطوق القاهرة نظراً لتنامى وجود القوى السلفية والجهادية والإخوانية فى المحافظات القريبة من العاصمة، مثل الفيوم وأرياف الجيزة والقليوبية والشرقية.
3- يوجد حزام ثالث يتمثل فى الأحياء العشوائية، الناجمة عن الفقر وتريف المدينة وانسحاب الدولة من توفير الإسكان، والتى تطوق الأحياء التى تقطنها الطبقة الوسطى والثرية فى مصر، والتى تميل فى الغالب الأعم إلى الأفكار الأكثر انفتاحاً وكانت تصوت ضد الإخوان وأنصارهم فى الاستحقاقات الانتخابية الماضية.
وإذا كان تفكيك هذا الحزام يحتاج إلى خطة متكاملة يستغرق تطبيقها وقتاً تتوزع على التعليم والاقتصاد والثقافة ومؤسسات إنتاج الخطاب الدينى، فإننى أعتقد أن الموجة الخامسة من الإرهاب التى تواجهها مصر حالياً ستستمر فترة، ثم تنكسر وتنحسر وتنتهى بندم جديد للإرهابيين، فالجريمة لا تفيد، والإرهاب لا يقيم دولة، لا سيما مع شعب أثبت طيلة الوقت أنه عصىٌ على الترويع والترهيب والتفزيع، ولم تثنه كل استمالات الخوف التى اتبعها الإخوان عن النزول بالملايين فى 30 يونيو الماضى لإسقاط حكم جماعة الإخوان.
وأعتقد أن إنجاز الانتخابات الرئاسية بعد إقرار الدستور، يعنى قطع محطتين مهمتين من خريطة الطريق، وتبقى الانتخابات البرلمانية، لتكتمل الجدران الشكلية لمواجهة الإرهاب والعنف المنظم، ويبقى تحقيق العدل الاجتماعى فى ظل برنامج تنمية شاملة مع احترام الحريات العامة وعدم قهر السلطة للمواطنين ليملأ هذه الجدران بالمادة التى تأكل الإرهاب بموجاته وأحزمته وحلقاته.