ليس هذا شعاراً أجوف أردده فى لحظة غضب من جرائم الإرهاب أو ادعاءً لجرأة فى مواجهته الحتمية، ولكنها كلمات أعتقد أنها باتت تعبّر عن إحساس كل مصرى أصيل يحب وطنه ويذوب فيه ويحرص على أمنه وسلامته، فقد جعلنا الإرهاب وجنونه على يقين من أن أى مصرى يمكن أن يكون فى أى لحظة ضحية لعمل إرهابى غادر لكنه لا يعجّل آجالنا التى كتبها الله لنا. غير أن مصر، الوطن الذى يعيش فينا، يجب أن تبقى، وسوف تبقى بإذن الله رغم كره الكارهين وحقد الحاقدين وتآمر الخائنين، لأن الله خصّها بذكره ومكّنها من أن تكون مهداً لحضارة الإنسان ومنحها شعباً محباً أصيلاً هو سر هذا الوطن، وقد قرأت غير مرة فى صحف أجنبية ما يعكس التعجب من هذا الشعب الذى لا يهاب الإرهاب فيهرول رغم الخطر إلى مواقع جرائمه ويحاول ما استطاع مد يد العون، وقد كتب مراسل أجنبى فى القاهرة مرة عاصر عملية إرهابية أنه شعر بالخوف لحظات لكنه سرعان ما أحس بالخجل من نفسه وزال عنه خوفه عندما شاهد الكيفية التى تعامل بها الناس مع الحدث عقب وقوعه مباشرة، وهى شجاعة فطرية قد يراها البعض حماقة لكننى متأكد من أنها تقتل الإرهابيين كمداً لأنهم يراهنون على أن يخذل المصريون وطنهم ويرضون لأنفسهم مذلة القبول بحكم الإرهاب تحت وطأة الخوف، فهل رأيتم المصرى يوماً رغم كل هذا الإرهاب يخرج إلى عمله وجلاً أو يمارسه فى جزع أو يعود إلى بيته فزعاً أو يفقد ابتسامته الطيبة رغم كل الظروف؟
يتسق الإرهابيون مع تاريخهم الممتد، ولأنهم يدركون بشاعة ما يفعلون فإنهم ينكرونه حيناً ويلتمسون له الأعذار حيناً آخر مع أن الشواهد حاضرة من هذا التاريخ، فقد انفردوا منذ نشأتهم بين كافة القوى السياسية بالعنف فى جميع مراحل التطور السياسى التى مرت بها مصر منذ القرن الماضى. اصطدم الملك فاروق بهم كما اصطدم بالوفد، ودخل عبدالناصر فى صراع معهم كما كان حاله مع الشيوعيين، وأقصى السادات الناصريين واليساريين من طريقه، ولم يكونوا الخصم الوحيد لمبارك ولا هم الخصم الوحيد للسيسى، وفى كل تلك المراحل لم تشهر قوة سياسية واحدة تعرضت للاضطهاد والإقصاء سلاح العنف فى وجه المجتمع إلا هم، ولم يروع المصريين أحد سواهم، وهم يلتمسون الأعذار لأنفسهم فيقولون إن عنفهم رد فعل لعنف خصومهم وهو قول مغلوط، فقد اغتيل الخازندار والنقراشى قبل حسن البنا وجرت محاولة اغتيال عبدالناصر قبل إعدام نفر من قياداتهم وبدأوا بالعنف عقب ٣٠ يونيو بل مارسوه ضد خصومهم أثناء حكمهم وحاولوا ترهيب الشعب غير مرة بالتلويح بسلاح العنف لو جرت الأمور على غير ما يشتهون. وقد شاهدت بالصدفة مؤخراً فيلماً تسجيلياً أخرجه د. رمسيس مرزوق ووضع فكرته د. ممدوح حمزة بعنوان «المصريون ينقذون العالم من الإرهاب» وفيه مجموعة من تصريحات قيادات الإرهاب ونشطائه تؤكد بكل الخزى بشاعة ما يضمرونه لهذا الوطن واستعدادهم لتدميره لتحقيق مآربهم، وهم يتوارون خلف منظماتهم السرطانية الأشد عنفاً ووحشية، مع أن الفكرة واحدة وعلاقتهم بها هى علاقة الأصل بالفرع حتى ولو شق الابن يوماً عصا الطاعة على أبيه، وهم يتباكون على غياب الديمقراطية المسئول عن كل ما يجرى وهم أول من أطاح بالديمقراطية التى أتت بهم إلى سدة الحكم بإعلانهم الدستورى المخزى.
وهم يستفيدون للأسف من مجموعات فقدت البوصلة الوطنية فأصبحت لا تفرق بين مصلحة الوطن وبين محاولة النيل من قيادة تريد صدقاً أن تنهض به، من حق الجميع أن ينتقدوها وأن يحاولوا إصلاح ما يرونه معوجاً فى سلوكها، لكنه عار على كل من يعجز عن أن يرى الخطر على الوطن والذين سيكونون هم أول ضحاياه، وعار على كل من يتابع ما يجرى على أرض الوطن وكأنه يشاهد مباراة يلعب فيها فريق يبغضه فيشمت فى أى قصور يبدو فى أدائه مع أن المعركة ضد الإرهاب شرسة وطبيعتها تحتمل خسارة جولة هنا أو هناك، لكن فريق الوطن فائز بإذن الله بفضل هذا الشعب العظيم الذى أدرك المعنى الحقيقى لاستشهاد النائب العام والهجمات الإرهابية الشرسة على سيناء وتيقّن من ضراوة المؤامرة التى تحاك له فى الداخل والخارج وتمكّن منه حزن نبيل وظّفه فى حفز العزائم من أجل الصمود والنصر. لا شك عندى فى أن الإرهاب فى طريقه إلى مزبلة التاريخ وفى أن ثقة هذا الشعب فى جيشه وشرطته لا تُحد، لكن هذا لا يتعارض مع وقفة واجبة لتقييم الأداء واكتشاف مواطن الخلل وتعزيز القدرة على المواجهة، وليخسأ كل من يطرح أفكار المصالحة مع القتلة أو يطالب بالرأفة مع من يدينهم القانون طالما أننا مطمئنون إلى ضمانات العدالة، ولا مكان أصلاً لأفكار الحكم باسم الله أو القتل والتدمير بدعوى الإسلام على أرض هذا الوطن، ولا مكان لأصحابها بيننا، ناهيك عن أن يشاركوا فى حكمنا على طريقة «الحكم أو القتل»، ولتحيا مصر رغم أنف الإرهاب وشياطينه.