يحكى أن عمر بن الخطاب قد صعد إلى منبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فى المدينة ليخطب فى الناس، فقال: أيها الناس ما إكثاركم فى صداق النساء وقد كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه وإنما الصَّدُقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك، ولو كان الإكثار فى ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها فلا أعرفنَّ ما زاد رجل فى صداق امرأة على أربعمائة درهم.
لقد كان عمر، رضى الله عنه، يرغب فى وضع قاعدة ألا يزيد المهر على أربعمائة درهم.. ويقول إنه إذا كانت الزيادات فى المهور عما كان يدفع رسول الله وأصحابه عبادة فكان أولى بهم أن يفعلوها.. لقد أراد عمر أن يسن تلك السنة حتى يعصم المجتمع من المغالاة فى المهور.. وحتى يستطيع أن يجمع لبيت المال ما زاد على ذلك.. فالظروف الاقتصادية وقتها لم تكن جيدة.. وحين نزل من المنبر اعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين نهيتَ النَّاس أن يزيدوا فى مهر النساء على أربعمائة درهم؟ قال: نعم، فقالت: أما سمعت ما أنزل الله فى القرآن؟ قال: وأى ذلك؟ فقالت: أما سمعت الله يقول «وآتيتُم إحداهنَّ قنطاراً» الآية؟ فقال: اللهمَّ غفراً، كل النَّاس أفقه من عمر، ثم رجع فركب المنبر، فقال: أيها الناس إنى كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء فى صدقاتهن على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يعطى من ماله ما أحب. وفى رواية أخرى: فمن طابت نفسه فليفعل.
الرواية شهيرة للغاية رغم إسنادها الضعيف.. ولكن دلالتها عظيمة بالفعل.. فلم تخجل تلك المرأة القرشية أن تعارض أمير المؤمنين فى قراره بأن يستقطع من المهور ما زاد على مبلغ محدد.. وكان دليلها وحجتها قوية.. والأكثر إبهاراً أن الحاكم لم يخجل من الاعتراف بالخطأ.. وسارع بتصحيحه على الفور.
لم يخجل عمر أن يعدل عن قراره بعد دقائق من إعلانه عنه حين تبين له خطأ فى المعطيات.. ولم يفكر كيف سينظر إليه الناس بعد أن يتخذ قراراً ويعود فيه!!
رحمك الله يا عمر!
وللحديث بقية إن شاء الله..