فى ظل الحوادث الإرهابية الغاشمة التى تطل برأسها علينا من يوم إلى آخر، وفى ظل هذه المعاناة التى لا تنتهى، يزداد الحديث وتعلو الأصوات المطالبة بضرورة الوصول إلى أساليب مناسبة لمكافحة الإرهاب دون الالتفات إلى حقيقة أن مجتمعنا فى حد ذاته قد أصبح بيئة حاضنة، وبامتياز، للإرهاب! فالفقر والجهل والمرض والفساد والتسيب وضعف الانتماء وبث الفتن والفرقة باستمرار بالمجتمع والتغييب المتعمد من الإعلام كلها عوامل مساعدة ودافعة نحو هوة الإرهاب دون رحمة، ولذا فقد أشار المراقبون والمعنيون كثيراً إلى حقيقة أن الحلول الأمنية وحدها لا تكفى، وأنه يجب معها تبنى استراتيجيات أخرى للتعامل مع الإرهاب لتسير جنباً إلى جنب بالتوازى مع الحل الأمنى، مع التركيز بالأساس على إعادة صياغة الكثير من المفاهيم لدى الشباب فى الجامعات بل حتى للأجيال التى سبقتهم لرفع درجة الوعى والشعور بالانتماء للوطن لدى المواطنين، فقد سمعت مؤخراً الكثير من الروايات التى يجب ألا تمر مرور الكرام هكذا دون الوقوف أمامها وتحليلها وربما كان آخرها ما رواه لى أحد الأصدقاء المحترمين عندما ذكر أنه ذهب إلى أحد المحال التجارية لشراء قميص ولكنه وجد المحل قد شرع فى إغلاق أبوابه وما زال بالداخل بعض الموظفين، فقام بسؤال رجل «الأمن» المكلف بالحراسة مستأذناً إياه أن يسمح له بالدخول، ولكنه رفض، مشدداً على أنها إجراءات صارمة لا يمكن تجاوزها، غير أن هذا الصديق حسب روايته ألح كثيراً على رجل الأمن زاعماً أنه فى حاجة ماسة للدخول وشراء طلبه من الداخل عارضاً عليه مبلغ «عشرة جنيهات» كمحاولة منه لإقناعه وليرى ما سيفعل ففوجئ به وقد وافق على الفور أن يدخله منبهاً عليه أن يقوم سريعاً بشراء ما يريد ثم يرحل على الفور.. غير أن هذا الموقف لم يمر مرور الكرام على هذا الصديق الذى انزعج كثيراً، فهو بلا شك موقف لا بد أن يستوقف الكثيرين أمامه لما يعكسه من خطورة لدلالاته الكثيرة المقلقة وأولها عدم توفر الوعى لدى عامة الناس بضرورة توخى الحرص فى ظل الظروف التى تمر بها البلاد بل المنطقة بأسرها من إرهاب واستهداف تام، وتناسى كل هذا تحت ضغط الظروف المادية ومصاعب الحياة المعيشية! ولذا فإننا نحارب الإرهاب ولكن فى بيئة حاضنة له وبامتياز تتطلب المراجعة والمعالجة وترميم جدران البيت المصرى من الداخل بنفس قدر أهمية المعالجة الأمنية، فإذا كان مبلغ بسيط يعد مغرياً لفرد أمن على هذا النحو فإذن استهداف المجتمع قد أصبح بالفعل أمراً سهلاً بكل أسف، خاصة مع ضعاف الأنفس الذين غالباً ما يقعون فريسة وأداة للإرهابيين المتعطشين للدماء، ولا أقصد هنا أن أصدر أحكاماً أو آراء قاسية تجاه المواطن المصرى البسيط الذى يتحمل غالباً أكثر من طاقته، وإنما فقط أودّ الإشارة مجدداً إلى تقصير وسائل الإعلام إجمالاً فى أداء دورها التوعوى للمواطن البسيط الذى قصّرت الدولة بدورها فى حقه وفى توفير مفردات الحياة الكريمة له على مدار سنوات طوال فأصبح هناك من هو ضعيف غير محصن لحماية نفسه أو مجتمعه وبلده، فقد تفرغ الإعلام الفضائى المرئى لتشكيل عقل جمعى مشتت متشكك منقسم على نفسه، وأحياناً كثيرة محبط يكاد أن يكفر بالكثير من المبادئ! فمتى يصحو ضمير هؤلاء لتطهير العقل المصرى من هذه «الخزعبلات» التى يصدعونه بها ليل نهار، ومتى يقررون القيام بدورهم الحقيقى لتشكيل بيئة ومجتمع سليم طارد للإرهاب من تلقاء نفسه، ومتى يبدأون فى تقديم مصلحة مصر والمصريين على المصالح الضيقة لأصحاب بعض الفضائيات الذين يستخدمون على شاشاتها شعارات وطنية ولكن من أجل مآرب أخرى؟ لا أحد يدرى متى، وإن كان الأمر حسب اعتقادى لن يأتى بمبادرة شخصية منهم وإنما بقرارات سيادية عامة تنظم البيت من الداخل ليكون أكثر صلابة وتحصيناً ولتوعية المواطن بضرورة الحفاظ على أمن الوطن انطلاقاً من الحفاظ على أمنه هو الشخصى، وها نحن فى الانتظار!
وإلى اللقاء الأسبوع المقبل.