جلست أمام شاشة التليفزيون محدداً من البداية ما أود مشاهدته، لا مسلسلات ولا أفلام ولا برامج مقالب ولا حتى نشرات أخبار أود متابعتها، أتطلع بشغف لأعرف أحوال البلاد بعد ثورتين، وأعرف ما وصلنا إليه من خلال الإعلانات ، فالإعلانات لا ترفع ضغط الدم ولا يوجد من يدفع لكي يُعلن للمشاهدين خبراً سيئا، كلها أشياء مبهجة.
وبين إعلان وآخر يقدم لك المعلن سلعته من خلال نجوم المسرح والسينما، الذين رأوا فلوس الإعلانات أيسر وأكثر من فلوس الفن، فاختصروا الطريق، نحن نشتري السلع وهم يقبضون العمولة، في حين أن المعلنين يفوزون بالأرباح.
إن مشاهدة الإعلانات المصرية توحى إليك من الوهلة الأولى أننا شعب يعاني من تسوس الأسنان وتساقط الشعر والصداع المزمن والمغص الدائم.
من المفترض أن الإعلانات ضيف خفيف يأتي في فواصل المحتوى المعروض على الشاشة، لكن أصبح المحتوى هو الفاصل لهذه الإعلانات، يصعب على الكتاب والشعراء أن يخلصوا حال مصر في سطور وأبيات، لكن الإعلانات لخصت حال مصر في لحظات، فتارة تجد من يعلن عن مصر الشقق في كومباوند وعلى الساحل وبورتو أكتوبر وتارة أخرى تجد من يعلن عن مصر اتبرع ولو بجنيه لتجديد العشوائيات، يا لها من مأساة بين مصر الأغنياء والمرفهين ومصر الفقراء والمعدمين!!
العجيب أنه فى كل السلع المعروضة لم تجد من بينها سلعة مصرية واحدة، باستثناء السيراميك، حتى وجباتنا المصرية المعروفة التى قال عنها صحفي من دويلة قطر ماذا صنعتم غير أقراص الطعمية؟ أصبحنا نستوردها من لبنان، كنا ننتج أفلاما سينمائية نصدرها للعالم كله كنا نفخر بصناعة نسيج من القطن المصري بدأها طلعت حرب بشركة المحلة الكبرى وضاعفها عزيز صدقي بالتصدير إلى أوروبا، الآن تحولت هذه المصانع إلى رماد.
كل أمم الأرض أنتجت ونحن تم اختصارنا إلى مجرد مسهلكين لما يُنتج، ولن نكون أصحاب قرار في المنطقة إلا إذا نفذنا ما قاله الإمام الشعراوي رحمه الله لن تكون قراراتنا من رؤوسنا إلا إذا كان أكلنا من فأسنا.
نحن بحاجة شديدة إلى نوع مطلوب من الوطنية هو "الوطنية الاقتصادية"، وتعني أنه حينما يشتري المواطن المصري سلعة مصرية يكون بذلك قد ضمن وظيفة عمل لعامل مصري، وأفاد بائعا مصريا، وفي نهاية المطاف يُصبح الاقتصاد المصري أكثر قوة، وأهم نتائج القوة هنا أن يجد الشاب المصري فرصة عمل في انتظاره.
عندنا مثل مصري معروف "على قد لحافك.. مد رجليك" تذاكر تنجح، تزرع تحصد، تدخر تأمن، تعتمد على نفسك تجد النجاح في الحياة والتفوق على كل من ينافسك، تريد أن تستهلك.. كن أولاً منتجاً.