صيام «الحدادين».. فى النهار شقا وفى آخر اليوم فول وطعمية
ظروف الحياة أجبرتهم على الوقوف أمام النار، يتحملون حرارتها الشديدة فى نهار رمضان من أجل يومية ضئيلة لا تغنى ولا تسمن من جوع.
هذا هو حال العاملين فى مهنة الحدادة فى شارع الخرطة القديمة بسوق الحمام بمنطقة السيدة عائشة.
«تعبنا فى حياتنا مهنة مابترحمش، أولها شحاتة وآخرها شحاتة»، يقولها «أحمد عثمان» الشهير بـ«الدوكش»، والعرق يتصبب منه، بسبب الأجواء الحارة التى يعمل فيها، يسرح «الدوكش» وهو أمام النار، يتذكر حينما كان طفلاً صغيراً، يبحث عن مهنة يمتهنها فى وقت لا مجال فيه للضعيف.
كان يرى الحدادين وقتها هم الأقوى، عضلاتهم تكسب دائماً، لا يهابون النار، فكانوا أبطالاً بالنسبة له.
«أيوه، أنا اللى اخترت المهنة دى كان عندى وقتها 7 سنين، لكن تعبت منها، ورغم كده لو الزمن رجع بيّا هاشتغلها تانى، قوة التحمل بتجيلى من ربنا»، قالها «الدوكش» صاحب الـ61 عاماً، الذى لم يأخذ من عمله طوال حياته سوى سكن فى «حوش قرافة»، وعيشة فى وسط النار: «أنا اتعودت على النار والحر لدرجة إنى بكره الشتاء، بحب الشمس ومهما أمشى فيها ولو 24 ساعة ماتعبش خالص»، مؤكداً أنه عرف مع مرور الزمن أن مهنة الحدادة تضعف القوى، ليس لها تأمينات ولا معاشات ولا رحمة، وآخر المطاف من يكبر وتقل مقدرته على العمل يتم توزيعه وتسريحه، فيدور فى الشوارع يبيع البخور أو يتسول على أبواب المساجد وهو ما كان يجهله صغيراً.
إبراهيم مصطفى، يعمل فى المهنة منذ أن كان عمره 14 عاماً، يعينه على تحمل هذا الشقاء المطرب الشعبى عبدالباسط حمودة، هو مطربه المفضل ويهون عليهم وقت العمل، يسمعه باستمرار لينسى الساعات الطويلة التى يقضيها فى الورشة: «أنا بكره المهنة دى، بس غصب عنى مفيش غيرها»، مؤكداً أنه يحاول التحمل أثناء الصيام، وذلك ما استطاع سبيلاً: «ربنا بيساعدنى على التحمل».
يعيش «إبراهيم» فى «حوش قرافة» أيضاً، يخاف من الزمن ومن مصير المهنة بسبب الحكايات التى يسمعها من الكبار: «عندى 4 ولاد بعدتهم عن المهنة دى؛ إحنا حياتنا عبارة عن نار، وأكلنا سواء على الفطار أو السحور، عبارة عن ساندوتشين فول، وميه كتير، ونقول يا حيطة دارينا».