فى مثل هذا الوقت من كل عام تظهر نتيجة شهادة الثانوية العامة، وهى شهادة محل اهتمام كل المجتمع المصرى لكونها مصيرية وتمس كل بيت، لكن العجيب فى الأمر هو حالة الاندهاش الشديدة من تصدر الفتيات قوائم المتفوقين رغم أنها ظاهرة متكررة سنوياً، وكأنه لأول مرة أو شىء غريب، الأمر الذى يستلزم تحليلاً نفسياً، لأن هذا الاندهاش هو محاولة للإنكار الدائم لقدرات البنات، مقاومة لتغيير الأفكار النمطية والثقافة التمييزية التى نتمتع بها وحرب للإبقاء على تصوراتنا المتخلفة التى نستند إليها فى الإبقاء على قهر البنات وفرض تصوراتنا عليهن، مثل فكرة أن البنات ناقصات عقلاً، لذا نندهش أن ناقصات العقل تفوقن وتقدمن الصفوف، ورغم تكرار هذا المشهد كل عام نجد كل وزير تعليم يزف إلينا الخبر وكأنه يحدث لأول مرة ونجد الإعلام وصفحات الفيس بوك تحتفل بهذا التغير العجيب حيث تصدرت البنات المراكز الأولى جميعها فى القسم الأدبى وأغلب المراكز فى القسم العلمى.
هذا الإنكار يظل الأساس الذى يترتب عليه العديد من أشكال التمييز والإقصاء، ويبنى عليه العديد من المبررات، مثل إقصاء المتفوقات فى كلية الحقوق من دخول النيابة العامة وتعيين من هم أقل كفاءة على أسس غير مهنية، أو عدم تعيين المتفوقات فى الإدارة فى منصب محافظ واعتبار السيدات يحبوْن ويحتجن التدرج بداية من بواب المحافظة إلى مساعد محافظ، ويفسر لماذا إجمالى المشاركة النسائية داخل لجنة إعداد الدستور 12 عضوة من 99 أعضاء اللجنة،
وبالرغم من خطاب الرئيس السيسى الأول الذى دار حول دور المرأة وضرورة مساهمتها بصورة أكبر فى السلطة التنفيذية جاء التشكيل الوزارى الأخير مخيباً لآمال المرأة المصرية حيث لم تشغل سوى 4 وزارات فقط من إجمالى 34 وزارة أى بنسبة أقل من 12%، ولماذا تحارب النساء على مشاركة عادلة فى البرلمان، فتجنى بشق الأنفس 10% من المقاعد.
هذا الاندهاش يفسر تراجع المرأة بشكل عام فى العديد من المجالات وهذا ما أوضحه كل من تقرير الفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمى لعام 2014 وتقرير التنمية البشرية لعام 2014 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائى، فقد شهد وضع المرأة المصرية فيما يخص الحقوق السياسية والمدنية تراجعاً كبيراً فى 2014، حيث احتلت مصر المركز 134 فى مؤشر التمكين السياسى للمرأة، وفق تقرير الفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادى العالمى لعام 2014 وهو ما يعد تراجعاً عن مركزها «128» فى عام 2013 ومركزها «125» فى عام 2012.
كما شهد عام 2014 تدنياً واضحاً فى مستوى وصول المرأة لمنصب كبار الموظفين والمديرين، فقد احتلت مصر المركز 116 وفق تقرير الفجوة بين الجنسين.
ورغم تفوق أستاذات كلية الحقوق خلت اللجنة العليا للإصلاح التشريعى من أى خبيرة قانونية.
وعلى مستوى العمل وصل معدل البطالة فى مصر بنهاية 2013 بلغ 13.2% من بينهم 24.2% من النساء و9.8% من الذكور، وفى فى ظل هذا الارتفاع الملحوظ للبطالة بين النساء نجد أن المشروعات الكبرى هى مشروعات إنشائية ذكورية الطابع لا يتم الحرص فيها على توفير فرص عمل لهؤلاء البنات المتفوقات أو اتخاذ أى إجراءات لرفع الظلم والتمييز، ما دمنا واقفين عند حد الاندهاش كمن يسمع الخبر ألف مرة وكأنه يسمعه لأول مرة، فإما إننا مغيبون، أو متآمرون وكل ثانوية عامة، ونحن مندهشون.