أهالى "بطن البقر" لـ"الوطن" بعد أسبوع من تصدع منازلهم: "أنقذونا"
فى عام 1989، صوّر الفنان عادل إمام والفنانة يسرا فيلم «المولد» فى منطقة «بطن البقر» على أطراف مصر القديمة، وظهر بالفيلم مدى تردى أحوال المنطقة، التى لم تنل أى اهتمام يُذكر طوال تلك الفترة إذ يفتقد أهاليها خدمات الصرف الصحى، ويعيشون بـ«حوارى» لا تستطيع سيارات الإسعاف أو الإطفاء دخولها، مع وجود نقص فى مياه الشرب النظيفة.. كل ذلك كان تراث الماضى الذى لم يجد تغييراً، إلا أن الأسبوع الماضى شهد تطوراً خطيراً مع ظهور هبوط بالأراضى المُقام عليها المنازل، مما أدى إلى تصدّع العديد من المنازل وظهور شروخ بها مع مخاوف من الأهالى لتهدمها فوق رؤوسهم، وهو ما نقلته «الوطن» إلى الدكتورة ليلى إسكندر، وزيرة الدولة للتطوير الحضرى والعشوائيات، التى أكدت أن الوزارة رصدت تطورات الأوضاع بالمنطقة، وأنه سيتم إعطاء إيجار للأهالى غير الراغبين فى الذهاب إلى مساكن فى 6 أكتوبر حتى يتم تطوير المنطقة.
عند دخولك المنطقة، تلاحظ آلام القاطنين تظهر على وجوههم؛ فيتحدثون عن أنهم «أموات يعيشون فى ذاكرة الغيب»، مطالبين المسئولين بضرورة سرعة التحرك لإنقاذ أرواحهم قبل أن يتم انتشالهم من تحت الأنقاض بعد الهبوط الأرضى بالمنطقة، وتصدع منازلها.
وقال الشيخ كرم السنى، أحد السكان والعمال بمنطقة الفواخير بـ«بطن البقر»، إن «الأرض بتغطس لوحدها، والمياه الجوفية طالعة، وأنا شغال فى ورشة الفخار بالمنطقة وجدت الحيطة بتطق، ودبش بيوقع عليا»، مطالباً المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، والدكتور جلال السعيد، محافظ القاهرة، باتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة حتى لا ينتهى الوضع بالأهالى تحت الأنقاض.
وداخل منزل «أم محمد» تجد المنزل مائلاً، والأراضى غير مستوية حتى إن هناك آثاراً لبعض الأثاث المكسور، قالت ربة المنزل إنه بسبب هبوط الأرض وظهور الميل، موضحة: «كنت يوم الجمعة بره البيت، ولما جيت لاقيت الأرض مايلة، والحاجة واقعة، ووجدنا أهالى المنطقة بيقولوا إن البيوت عندهم شرخت، وإن بعضهم حصل هبوط عنده».
أضافت «أم محمد» أنها توجهت بصحبة عدد من الأهالى يوم السبت الماضى إلى قسم الشرطة لعمل محضر لإثبات الحالة بتضرر الأهالى فى المنطقة، وروحنا للحى قالوا مشكلتكم مع القسم روحوا لهم تانى، موضحة أنهم قالوا لهم إنه من المفترض أن يغادروا المنطقة، لافتة فى الوقت ذاته إلى أنه لم يتم توجيههم إلى أى منطقة ليسكنوا بها. بينما قالت هدى شحاتة، إحدى ساكنات المنطقة: «كل ما نظبط البيوت بتطق تانى.. وماعندناش صرف صحى»، أما «أم عز» فتقول إن ابنها بنى أعلى عشتها دوراً علوياً لها، وإن المنزل زادت شروخه بعد ذلك، مردفة: «إحنا انتخبنا الرئيس السيسى وأملنا فيه كبير بعد ربنا إنه يعدل حالنا، وزى ما بيقولوا تحيا مصر، وعايزين نعيش.. اهتموا بينا شوية».
وقاطعت إحدى السيدات، تُدعى أمينة أمين، جولة محرر «الوطن» لتفقد أوضاع المنطقة، قائلة: «أولادى ماتوا.. وخايفة على الباقيين يموتوا»، قائلة: «من 12 سنة كنت نايمة أنا وجوزى، والساعة 2 بالليل وقع السقف على 3 عيال عندى وماتوا، وبعد ما البيت وقع اضطرينا نعيش عند كل حد من قرايبنا شوية، لحد ما أهل الخير بنوا لينا البيت تانى». وأضافت «أمينة»: «بعد ما أهل الخير بنوا لينا البيت من تانى، اتبنى بيت كمان فوقينا، واليومين اللى فاتوا طلعت شروخ، وخايفة يقع البيت فوق دماغنا فنموت إحنا وعيالى»، مطالبة بسرعة التدخل لإنقاذ حياتهم. الأم المكلومة تسكت للحظات وسط تجمع الأهالى للحديث عن همومهم وآلامهم، مؤكدة أنه ليس بالسهولة أن ترى أبناءك قتلى أمامك لمجرد أنك لا تستطيع أن ترمم منزلك، مردفة: «خايفة اللى حصل يحصل تانى والعيال يموتوا».
فيما قال أحمد خلف عبدالراضى، صاحب مصنع فخار صغير بالمنطقة، إن سبب الأزمة هو خروج المياه الجوفية من «تحت الأرض»، التى أدت إلى «هبوط الأرض»، و«شرخ فى الحيط»، موضحاً أنهم توجهوا إلى قسم الشرطة التابع له المنطقة، وتم توجيههم إلى الحى، ومن ثم وجه الحى بنزول لجان جاءت إلى المنطقة، ورصدت كامل أوضاعنا، لكنهم «ماعملوش حاجة».
وأضاف «عبدالراضى» لـ«الوطن»، أن الدولة اهتمت فى البداية بأصحاب المصانع، وبنت لهم مصانع مطوّرة بطراز معمارى متميز بجانب المنطقة، وهى مبنية بشكل جيد تجعل المياه لا تؤثر بها مثلما تؤثر على مبانى المنطقة الحالية، لأنها «عشوائيات»، موضحاً أن محافظة القاهرة لديها حصر بأصحاب المصانع، وأنه يعلم مكان ورقم مصنعه الذى انتهى من بنائه، إلا أنه لا يستطيع دخوله بسبب عدم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لذلك. فيما قال سعيد محمد، أحد ساكنى منطقة «بطن البقر»، إن الشروخ بالمنازل وورش الفخار بالمنطقة بدأت فى الظهور يوم «وقفة عيد الفطر»، موضحاً أن الشروخ بدأت فى الزيادة منذ نحو أسبوع، وظهر بعدها «ترييح فى الأرض»، مطالباً بإيجاد مساكن بديلة لهم ليعيشوا فيها. فيما أرجع الحاج كمال عيد، أحد ساكنى المنطقة، أن المياه الجوفية هى سبب «القلق كله فى المنطقة»، موضحاً أن مبانى المنطقة «عشوائية»، مما أدى إلى تأثرها بالمياه، مردفاً: «بنقول الحمد لله لأن فيه ناس عايشين فى ظروف أصعب مننا، بس إحنا عايزين نعيش برضه، وعايزين شقة حلوة نعيش فيها عيشة حلوة وجميلة».
وأثناء تجولنا فى المنطقة، رصدت «الوطن» دعوات الأهالى بعضهم البعض بالتوجه إلى قسم الشرطة، والحى التابع له المنطقة، لكى يثبتوا حالة ما يعانونه من احتمالية تصدّع المنازل فوق رؤوسهم، قائلين لبعضهم: «إذا لم تثبتوا حقكم؛ فلا تطالبوا بأن يهتم بكم أحد من الأساس».
من جانبها، قالت الدكتورة ليلى إسكندر، وزيرة الدولة للتطوير الحضرى والعشوائيات، إن الوزارة أرسلت فريق عمل منها يوم الثلاثاء الماضى لرصد أوضاع المنطقة بعد شكاوى الأهالى، موضحة أن تقرير فريق العمل الذى رفعه لها تضمن معاينة أوضاع البيوت، ورصد حالة الهبوط فى أرض المنطقة، وظهور تجمعات مياه، موضحة أن منطقة «بطن البقر» كانت ضمن خطة الوزارة للتطوير، وأن الوزارة كانت تسير فى إجراءات وضع خطة تطويرها، مردفة: «بس لازم نستعجل الأمور، بما أن الوضع وصل لما هو عليه حالياً».
وأضافت وزيرة الدولة للتطوير الحضرى والعشوائيات، فى تصريح خاص لـ«الوطن»، أن بعض الأهالى لا يرغبون فى الذهاب إلى وحدات سكنية بديلة لهم فى مدينة 6 أكتوبر، موضحة أنه سيتم إعطاء بعض الأهالى قيمة إيجارية ليسكنوا بها حتى الانتهاء من تطوير المنطقة.
وعن الإجراءات التى ستتخذها الدولة بحق هؤلاء المواطنين لسرعة إجراءات تطوير المنطقة، أوضحت «إسكندر» أنها تحدثت مع الدكتور جلال السعيد، محافظ القاهرة، بخصوص الأوضاع فى المنطقة، مضيفة: «المحافظ هيعمل اللى عليه، وإحنا هنعمل اللى علينا.. وهنشتغل عشان الغلابة فى المنطقة».