الإنجاز العظيم الذي حققته المؤسسة العسكرية في إنشاء قناة السويس الجديدة في هذا الزمن القصير، هو عمل معجز ومبدع بكل المقاييس، ولا يسعنا إلا نقف تقديرا واعتزازا واحتراما لكل من شارك فيه، بشكل مباشر أو غير مباشر.. هذا العمل يشعر معه كل مصري وعربي بكل الفخر، وهو في الوقت ذاته رسالة لكل الشعوب، أن الشعب المصري على مستوى التحدي، وأنه قادر على أن يحقق نهضة وتقدما وازدهارا يليق بمصر، تاريخا وريادة وحضارة.. وليس هذا غريبا على المؤسسة العسكرية المصرية، فنحن لا ننسى دورها العظيم في حرب الاستنزاف، ولا دورها الأعظم والأروع في حرب السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣.. وفى حربها ضد الإرهاب، تبذل المؤسسة العسكرية جهدها المبارك في توجيه ضرباتها الموجعة لعناصره وتجمعاته في سيناء.. ورأينا كيف أنها لم تأل جهدا في ضرب الإرهابيين فب ليبيان الذين ذبحوا 21 مصريا.. وأعتقد أن مشاركتها مع قوات التحالف في "عاصفة الحزم" للمحافظة على أمننا القومي، خير شاهد ودليل.. ولا أحد ينكر أن المؤسسة العسكرية المصرية لا تمثل العمود الفقري لمصر فحسب، وإنما العمود الفقري للدول العربية.. ومن ثم، فالمحافظة عليها وإمدادها بكل ما تحتاجه من وسائل وآليات، فضلا عن وقوف الشعب (بكل مؤسساته وقواه الحية) كظهير رافد لها، كل ذلك يعتبر من أوجب الواجبات.
إن المؤسسة العسكرية وهى تقوم بإنشاء القناة، استطاعت - بمعاونة الشرطة - أن تؤمن منطقة القناة برمتها والعاملين فيها جميعا.. أن تنهي هذا الإنجاز العظيم في ظل الظروف الصعبة وموجة الإرهاب العاتية التي تواجهها مصر، هو الإعجاز ذاته.
ميزة المؤسسة العسكرية أنها مصرية خالصة، إفراز طبيعي للشعب المصري.. تعبير لكل حي وركن في مصر، من أسوان حتى الإسكندرية، ومن العريش حتى السلوم.. بل إنها تمثيل معبر وجيد عن كل فئات وطبقات المصريين.. وهذه هي عظمة المؤسسة.. لا تعكس طائفة، أو قبيلة، أو توجه سياسي معين.. وكما أنها من الشعب، هي ملك له.. مهمتها الأساسية المحافظة على أمن وسلامة الدولة، الشعب والوطن والحكومة.
تشرفت بتأدية الخدمة العسكرية - كجندي ثم "عريف" - في الفترة من 28 فبراير 1972 وحتى 21 يناير 1975، وأشهد أنها كانت فترة خصبة وثرية في حياتي، ورأيت كيف تعمل هذه المؤسسة، وتعلمت فيها الكثير من التخطيط، والإدارة، واليقظة، والانتباه، بل الوطنية، لأنها في الواقع المدرسة الكبرى في الوطنية...يكفي أن يشعر المرء بالفخر أنه كان منتميا لهذه المؤسسة العريقة، وكيف ينظر إليها بكل التقدير والاحترام.. ولا يزال لي أصدقاء أعتز بهم خدموا معي في تلك الفترة، يتصلون بي واتصل بهم في المناسبات الكثيرة.. وأستغرب كثيرا لهؤلاء الذين سولت أو تسول لهم نفوسهم الاعتداء على المؤسسات العسكرية.. بالقطع هؤلاء مغيبون، فاقدون للعقل، لا يدركون مدى بشاعة الجرم الذى يرتكبونه في حق الوطن والعروبة والإسلام، لا يفهمون أن أي اعتداء على هذه المؤسسة يصب في خانة العدو الصهيوني.
والسؤال الذى يطرح نفسه؛ لماذا المؤسسة العسكرية على هذا المستوى من الأداء العالي في القيام بواجباتها، وفيما تكلف به من مهام مدنية، بينما المؤسسات المدنية ذاتها؛ علمية، تعليمية، ثقافية، صحية، صناعية، وزراعية.. إلخ، على هذا النحو من التدني والتدهور؟ ولماذا المؤسسة العسكرية على هذا المستوى من العلم والتقدم والمواكبة لأحدث التطورات التقنية في العالم، في كل فروع الأسلحة، بينما المؤسسات المدنية على هذا النحو من التخلف؟ الإجابة واضحة وهي أن المؤسسة العسكرية تتميز بقدر عال من الانضباط، والالتزام، ووضوح الرؤية، والارتباط بالهدف.. هي لا تقبل هزلا ولا فوضى ولا ارتباكا ولا تخلفا، ولا عجزا ولا فشلا وإلا ضاع الوطن، وانتهكت حرماته ومقدساته.. ومن هنا كان الإنجاز والإعجاز في إنشاء قناة السويس الجديدة.
الناظر إلى ما يحدث في مصر، يتأكد له بما لا يدع مجالا لشك مدى التسيب، والعشوائية، والارتجالية، والإهمال، والمحسوبية، والرشوة، والفساد الذى يغشى المجتمع المصري في كل مناحي الحياة.. ولعل الكوارث الاخيرة التي وقعت؛ مثل كارثة عبارة الوراق، ووفيات أطفال بني سويف، وحريق مدينة العبور، اقرب دليل على ذلك.. من المستحيل تحويل المؤسسات المدنية إلى مؤسسات عسكرية حتى يمكن النهوض بمصر.. كما أن وضع رجل عسكري على رأس الحكومة أو على رأس كل وزارة، أو محافظة أو حي لن يجدى نفعا.. مشكلة المؤسسات المدنية لن تحل، ما لم نزرع الانضباط داخلها، ما لم يكن هناك نظام صارم للمتابعة اللصيقة والدقيقة - ودون محاباة - لكل العاملين في الدولة، بدءا برئيس الوزراء وانتهاء بأصغر عامل في مصر.. نظام صارم للثواب والعقاب لأي شخص مسؤول، مهما كانت مكانته أو منزلته.. نظام صارم لتطبيق القانون على الجميع، الكبار والصغار على السواء.. دون ذلك، ستضيع كل الجهود وتتبدد كل المشروعات، عظيمها وحقيرها.. دون ذلك، لن تضعف مصر فحسب، لكنها سوف تخرج من التاريخ.. دون ذلك، ستحرم منطقتنا وأمتنا من الدور الرائد الذي يمكن أن تقوم به مصر.. دون ذلك، ستكون هناك خسارة كبرى لشعب مصر، والشعوب العربية والإسلامية، وشعوب العالم، فهل ندرك ذلك؟ إن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، وأول الغيث قطرة، ومعظم النار من مستصغر الشرر.. فمن أين تبدأ الرحلة؟!، تبدأ من رئاسة الدولة.