"إن طلاب الكلية الحربية يعرفون تماما أنهم قادة المستقبل وأنهم الوزراء والمحافظون والسفراء ورؤساء الجمهورية والمديرون" هكذا صرح اللواء أركان حرب "عصمت مراد" مدير الكلية الحربية, هذا التصريح الذي نافسه في النشر على مواقع التواصل الاجتماعي تصريح لرئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب, قال فيه: "الوظائف الحكومية انتهت, اشتغلوا سواقين توكتوك", هكذا بكل بساطة رسم الأول مستقبل العسكريين في حين حدد الثاني مصير المدنيين!!
رسالة لم يكتبها أحد .. لو فتح طالب بالمرحلة الثانوية الجريدة وطالع التصريحين باعتبارهما قطعتي "بازل" يمكن أن يستشرف بهما مستقبله, هذا الطالب لن يقرأ سوى رسالة واحدة: اختر طريقك, إما أن تكون عسكريا وتصبح محافظا أو تظل مدنيا وتسوق الـ توكتوك!! إما أن يغني لك "مصطفى كامل" أوبريت "تسلم الأيادي" أو أن تستمع لـ "أوكا" وهو يغني مهرجان "خدي بوسه يا بت" وتبقى في القاع إلى الأبد!! هذه الرسالة الضمنية لم يكتبها اللواء ولا رئيس الحكومة, وإنما هو جحيم التدبر في تصريحين كاشفين, هذه الخيارات الحادة لن تبني وطنا ولن تهدمه, فقط ستبقيه في حالة شقاء دائم!!
أهل الثقة .. ما جاء به مدير الكلية الحربية وأثار جدلا على مواقع التواصل ليس جديدا, الكل يدرك أن أغلب المناصب في مصر بحوزة خريجي الكليات العسكرية, اللواء كان شديد الاتساق مع قناعاته ورسم واقعنا بصراحة, المدهش هو تبريره لهذا الواقع قائلا: "بفضل تضحياتهم وعملهم الجاد" وكأن لا أحد من المدنيين يضحي ويعمل بجد!! علما بأن المدنيين عقب تخرجهم يُجندون بالجيش المصري ويُستشهدون, في رأيي أن اللواء عصمت مراد أراد أن يجد ترجمة إعلامية لمفهوم "أهل الثقة", هذا المفهوم الحاكم للدولة المصرية منذ 1952.
اتصال هاتفي ساخن .. عقب تصريح محلب, وفي محاولة مني للاطمئنان على مستقبل المدنيين, قمت فورا بالاتصال بـ "أبو رجب" سائس الجراج والخبير في شئون التكاتك, قال: "سعر التوكتوك الجديد قد يصل إلى 21,600 جنيه, بعض التكاتك المستعملة قد تصل إلى 26,000 جنيه وفقا للتعديلات التي أدخلها صاحب الماكينة, صافي الربح شهريا هو 3,000 جنيه بالمناطق الراقية ويزيد بالمناطق الشعبية", عجزت عن فك طلاسم الدولة العجيبة التي تحارب التكتوك بفرض غرامات باهظة عليه تمهيدا لمنعه في حين يدعو رئيس حكومتها الشعب للاستثمار فيه!!
في النهاية .. مصر لم تكن بحاجة للوقوع بين ترسي تصريحين من هذا النوع, لا اللواء "عصمت مراد" كان بحاجة إلى مثل هذا القدر من الصراحة الغير مفيدة في ظل آلة إعلامية خارجية ما زالت تنعت الثلاثين من يونيو بالانقلاب العسكري, ولا المهندس "إبراهيم محلب" كان بحاجة لمثل هذا القدر من تسويد المستقبل, نحن جميعا لسنا بحاجة إلى كل ما قد يوارب بابا من أبواب الجحيم, خاصة وأن الطريق إليه مفروش بالنوايا الحسنة.