عندما أعلن الرئيس السيسى منذ عام عن موعد افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة، قلت فى نفسى إن هذا مستحيل، وربما كان هذا الكلام من باب رفع الروح المعنوية للشعب، وسوف يخرج علينا المسئولون عن المشروع قبل الموعد المحدد ليخبرونا بالأعذار التى منعتهم من تنفيذ المشروع فى الموعد المحدد، ولكن الرئيس السيسى أخلف ظنى، وأثبت أنه قائد إذا وعد أوفى، وأنه لا يتعامل بأسلوب التسكين والمسكنات، ولذا فأنا أدين له بالاعتذار، والأهم من ذلك أنه أثبت أننا كمصريين نستطيع Yes، We Can، نعم نستطيع أن نصنع المعجزات، فقد راهن هذا القائد على جينات الإرادة فى شعبه الأصيل فى أكثر من مرة، هذه الجينات التى انكسر أمامها العديد من الغزاة والطغاة على مر العصور فى أوقات يظن الجميع خلالها أن هذا الشعب قد مات إكلينيكياً، فلا يلبث أن ينتفض ويقوم من سباته وهو أكثر قوة وعزماً وصلابة، وكان الرئيس على صواب -على الرغم من اليأس والظلام الذى كان يبدو فى الأفق- ونزل عشرات الملايين إلى الشوارع لتأييده لكى يخلصنا من احتلال حفنة من العصابات لا تعترف بأى نوع من الولاء والانتماء للأرض أو الوطن أو الشعب، باستثناء الجماعة ومرشدها.
ثم وضع الرئيس ثقته فى جينات هذه الجماهير العريضة عندما أعلن عن الاكتتاب من أجل تمويل حفر قناة السويس الجديدة، فنزل الجميع يصطفون أمام أبواب البنوك، ليقولوا للعالم ويثبتوا أنهم وراء قيادتهم، وأن القناة الجديدة سوف تتم كما غنى الراحل عبدالحليم حافظ عن السد فى أغنيته «حكاية شعب» من تأليف أحمد شفيق كامل: من أموالنا.. بإيد عمالنا، نعم إنها حكاية شعب مرة أخرى وليست حكاية سد أو قناة مهما كانت قيمتهما، وسوف تظل حكاية هذا الشعب العظيم تروى عبر الأجيال، حتى لا يقنعنا أعداؤنا ويزرعوا فى نفوسنا وعقولنا بأن هذه العظمة كانت فقط للأجداد، وأننا لم نرث منهم هذه الجينات، وأن كل مظاهر الحضارة والقوة الموجودة لدينا إنما صنعت من خلال السخرة والكرباج، ولهؤلاء أقول: كلا.. إن مثل هذه الأفكار الاستعمارية والاستعبادية إنما بثها المستعمر القديم والحديث فى نفوسنا، لكى نظل نشعر بالضعف والهوان والخضوع، وأطلق عملاؤه الأمثال الشعبية التى تساعده على ذلك مثل: علشان ما نعلى ونعلى ونعلى.. لازم نطاطى نطاطى نطاطى، وأيضاً: إن كان لك عند الكلب حاجة قول له يا سيدى.. وغيرها، وذلك لأنهم يعلمون عظمة هذا الشعب عندما ينهض ويعمل ويندرج فى منظومة التقدم والحضارة والعلم، لذا فهم يعظمون التفاهات والسخافات والجنس والمخدرات من خلال الأفلام ووسائل الإعلام المختلفة حتى يتعلق بها الشباب، ويتركوا القيم والعلم والعمل الجاد.
وللعلم، فإن جينات السلوكيات بشكل عام تتأثر بالبيئة المحيطة، ونظرة الإنسان إلى نفسه وثقته بها، ولذلك ينبغى علينا أن نوقظ هذه الجينات، ونثق بأننا نستطيع أن نكون ما يجب أن نكونه، من خلال منظومة تبدأ بالقيادة والرؤية المستقبلية العلمية الشاملة مع عودة السلوكيات والأخلاق القويمة، وتبدأ وتنتهى بالعمل الجاد دون الالتفات إلى مفسدى البهجة والفرحة الذين لا يسعدهم أبداً أى نجاح لهذا الشعب العظيم ولمصرنا الحبيبة، ولتفرح يا شعب مصر بما أنجزت، فالآن يحق لك الفرحة، ولكن فلتكمل المشوار، فالطريق لا يزال طويلاً.
وأخيراً، كل التحية لجيشنا العظيم الذى أعاد لنا روح نصر أكتوبر الذى كان فى وقت من الأوقات أحد المستحيلات، والتى صنع من خلالها جنودنا ملاحم سطرها التاريخ بحروف من نور بشهادة الأعداء قبل الأصدقاء، وكل التحية والشكر لمجلس الوزراء ورئيسه المهندس إبراهيم محلب الذين تحملوا ما يفوق قدرة البشر منذ أن جاءوا إلى مواقع المسئولية.