بعيداً عن تجار الغضب والمصالح والتشاؤم دون بارقة أمل بمنطق طريقك مسدود مسدود، وبعيداً عن التهويل فى الإنجاز، وأن كل شىء تمام وأنه ليس فى الإمكان أفضل مما كان. يبقى الواقع فى مصر خلال عام مضى قادراً على توصيف تلك اللحظة التى نحياها لندرك ما أنجزناه وموقعنا على طريق يحتاج لدبيب خطوات جادة لمواصلة تحقيق ما نحلم به. نبدأ بالحديث للسادة عاشقى السواد ولون الليل الهباب، فنقول: تفاءلوا فقد أنجزنا فى عام واحد بسواعد وعقول مصرية مشروع قناة موازية لقناة السويس بطول 72 كم، ووسعنا بقية الممر المائى كى تسمح بعبور السفن فى الاتجاهين لرفع حصيلة موارد القناة من 5 مليارات دولار إلى 13 مليار دولار سنوياً. كل هذا بأموال مصرية شارك فيها الفقير والغنى لتحيا مصر، فجمعوا 64 مليار جنيه فى أسبوع واحد ليبلغوا العالم رسالة مفادها: «نعم نستطيع ودونكم إن أردتم». ليس هذا وحسب ولكن وكما تقول التقارير إنه فى ظل سلسلة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التى وعد بها الرئيس السيسى، اتّخذنا مجموعة قرارات هامة وغير شعبية خاف غيره من تطبيقها، بدأت بتخفيض الدعم للوقود بمقدار 44 مليار جنيه ليبقى عند حدّ 100 مليار جنيه فى موازنة العام المالى 2014-2015. وصاحب هذا القرار زيادة أسعار الكهرباء، بهدف تقليص العجز فى الموازنة العامة بقيمة 240 مليار جنيه بما يوازى 33.6 مليار دولار لتقف نسبة العجز عند 10% من الناتج المحلّى الإجمالى، مقابل 12% قيمة العجز المقدّر فى ميزانية العام 2013-2014. اتخذنا هذه الخطوة فى وقت كان خطر الغرق فى بئر الديون يطارد بلادنا بعد أن بلغت أكثر من 3 تريليونات جنيه مصرى، أى 417 مليار دولار. قد لا يعلم الكثيرون أن مصر خرجت من عهد مبارك بحجم ديون بلغ ذروة الخطر فى يناير 2011 بقيمة تريليون و172 مليار جنيه، منها 962 مليار جنيه ديناً داخلياً، ولم يكن أمامه إلا إعادة جدولة الديون الخارجية مع كل من نادى باريس وصندوق النقد والبنك الدوليّين لفترات متباعدة حتى العام 2050 وبفوائد عالية جداً، وبأقساط نصف سنوية. بما يوازى استنزاف نحو 25% من مصادر البلاد الاقتصادية.
لذا لم يكن أمام مصر اختيار آخر فيما اُتخذ من قرارات، دعمها السيسى بمحاولات تفعيل آلية ضبط الأسواق التى تفتقدها مصر، مع رفع معدّلات النموّ لمساعدة الفقراء على الخروج من دائرة الفقر وتحسين أحوال محدودى الدخل، بإزالة أسباب الفقر لا بتخفيف أثره. من خلال رفع إنتاجية الفقراء وتوفير فرص عمل وتقليل البطالة، وهو ما برز فى تشغيل مليون عامل بمشروع قناة السويس ومنظومة الطرق الجديدة البالغ طولها 3500كم. كل هذا منح مصر تقدماً فى تصنيف وكالة فيتش للتصنيف الائتمانى منذ عدة أشهر معلنةً تقدم موقع مصر للدرجة السيادية «بى». مبررة ذلك بما يبدو فى سياسة البلاد من عزم على تنفيذ برنامج اقتصادى إصلاحى واسع جاد فى التصدى لأزمات الطاقة ودفع المبالغ المستحقة لشركات البترول ومراجعة قوانين الاستثمار وتسوية الخلافات مع المستثمرين الأجانب، بشكل رفع نسب النمو الاقتصادى فى مصر ليبلغ 6٫8% فى الفصل الثالث من 2014 وهو ما يمثل أعلى مستوى للنمو لدينا منذ 2008. أضف لكل ما سبق تقدم ترتيب مصر فى مكافحة الفساد بتقرير منظمة الشفافية العالمية من المركز 114 فى عام 2013، للمركز 94 فى العام 2014، وتقدمها فى الدول الجاذبة للاستثمار درجة واحدة لتصبح 111 من بين 189 دولة، وتقدم وضعها فى تقرير السمعة الدولية لتتقدم على قطر والسعودية.
لا تزال أمامنا عقبات وتحديات مريعة، لعل أبرزها الفساد المتفشى بغباء فى جهاز إدارى مترهل يبلغ عدد العاملين فيه 6.5 مليون عامل لا نحتاج منهم سوى مليونين، ومنظومة اختيار المسئولين وتقييم أدائهم. وتغيير منظومة التعليم وبخاصة الفنى منه ليكون على أعلى مستوى. نعم نحن بحاجة لسماع دوى المواتير فى المصانع فى كل شبر على أرض مصر وزراعة أكبر رقعة ممكنة من أرضها. نحن بحاجة للكثير ولكن من حقنا أن نفرح بما أنجزناه لنواصل طريقاً علينا السير فيه.