طريقة عمل السبانخ بالملوخية.. هى أسهل وصفة لست البيت «الخايبة»، والشاطرة على السواء، وإن كانت لا تحتاج لمهارة خاصة فى المطبخ أو غيره، يكفى صاحبتها أن تتابع باهتمام أو دون أداء حكومة محلب، فى زمن يحب وأمثاله أن يطلقوا عليه «الانطلاقة نحو المستقبل»، لتتقن السيدة عملها، وتفرضها فرضاً على كل ولائمها، على فرض وجود ولائم من الأساس، وتحاول تصدير الطريقة والوصفة لغيرها من السيدات، على غرار «القَرعة اللى بتتباهى بشعر بنت أختها»، دون أن تنتبه إلى أن «بنت أختها قرعة برضه».
نعم.. محلب ورفاقه هم «بنت أختها القرعة»، ونحن ما زلنا فى موقعنا لم نغادره ولو قيد أنملة، مفعول به تافه لا جدوى من وجوده فى اللغة ولا فى الحياة، نرفع شعاراً أحمق «نموت نموت ويحيا الوطن»، لكن الواقع يؤكد العكس، صحيح أننا نموت، لكن الوطن ما زال على علته لا يحيا.
لن أتحدث عن حادث الوراق، فقد قُتل بحثاً ونشراً، باعتباره جزءًا مكملاً لكوارث أخرى، سبقته بسنوات، فلا فارق حقيقياً بينه وبين كارثة قطار الصعيد (الأفدح فى تاريخ الإهمال فى هذا البلد)، وكارثة عبّارة السلام (الأخطر فى تاريخ الفساد فى هذا البلد)، وحوادث أخرى كثيرة يضيق السياق بذكرها، ويضيق الصدر من فرط ما قبعت على الأنفاس، يتمنى المرء أن تنزاح من مخيلته، لكنها للأسف تزيد توطيناً وتأكيداً كلما حلّت عليها كارثة أخرى تذكّر بها وبمقولة الراحل العظيم سعد زغلول «مفيش فايدة».
نعم.. أصبحت أؤمن بالمقولة جداً، تخليت عن تفاؤلى المفرط الذى كان يدهش كل أصدقائى، وأيقنت أنه بالفعل لا طائل من كل شىء، يعيش المصرى كما يموت «صفر على الشمال» لا قيمة له، ولا حتى تلك التى يحددها محلب ومن سبقوه فى بورصة تعويضات الحوادث، فكلما أخذ الحادث ضجة إعلامية كبرى، زادت مبالغ التعويضات، دون معيار واحد سوى «الحادثة مسمّعة والريس زعلان والناس على آخرها» هنا يتحرك الجمع وكأنه مفرد لاحتواء الغضب بآليات قُتلت هى الأخرى من فرط تطبيقها، نظام لم يختلف فى أى من تفاصيله عن نظام حكومات مبارك، الغريب حقيقة هو أنه يؤتى ثماره، فبعد شهور من الحادث يبدأ الحديث عن تأخر صرف التعويضات، ويتحول الضحية من ألم يقتل ويوجع فى نفوس أسرته ومحبيه، إلى مجرد حق يسعون للحصول عليه من «حبابى عين الحكومة»، وليشهد على كلامى استغاثات أهالى الضحايا لصرف تعويضاتهم، تحت شعار أبى أن يفنى «الحىّ أبقى من الميت».
وفقاً للشعار نفسه، لم تهتز لى شعرة وأنا أتابع الخبر على الشاشات، غرق 18 ثم ارتفاع العدد إلى 40 فى تصادم باخرة وصندل.. مروا مرور الكرام، لم ينالهم منى ومن غيرى كثيرين سوى الدعاء بالرحمة، وإن زدت عليهم بمتابعات إنسانية تتناسب وطبيعة عملى، بمزيد من التركيز والاتكاء على الجانب الإنسانى، لا لتأثرى به، لكن لحب القارئ للمأساة وميله إلى قراءتها، بمنطق آخر أكثر نفعية لم يفن ولم يُستحدث من عدم «اللى تغلب به العب به». قد تثير كلماتى انطباعات عن شخصى أو شخوص زملائى من العاملين فى المجال، لكنها الحقيقة بكل أسف، ليس لتحجر فى مشاعر الصحفيين، ولا لقسوة فُطروا عليها من فرط ما تابعوا من كوارث، لكنها العادة، فتكرار الكوارث لا يسمح حتى بالتقاط الأنفاس، والأداء الحكومى الذى يعقبها كل مرة يؤكد أن «التكرار لا يعلّم الشطار» وأن العلة ستظل موجودة، لن تغيرها ثورة ولا انتخابات ولا رئيس جديد ولا حكومة منتخبة، وللحق أؤكد أن العلة فى الطرفين، فى المواطن الذى يقدم نفسه وجبة سائغة للقضاء والقدر، بإهماله أو جشعه وطمعه أو تقصيره فى حق نفسه أولاً، وفى الحكومة، محلب وكل من سبقوه وسيلحقونه أيضاً، بتراخيهم وتركيزهم على البقاء دون الأداء، وتقصيرهم فى حق المواطن المعلق فى رقابهم بحكم المسئولية، لصالح تسديد الخانات لدى المسئول الأول والأعظم. لذا أقولها، لكل من أغضبه الحادث وأحزنه الإجراء، وكل من شعر بغياب الدولة -على فرض وجودها- ولكل من تصور ولو للحظة أن الغد أفضل، وأن القادم أحلى، وأن المستقبل ينادينا.. أقولها لهم جميعاً: لا ينادينا سوى القبور، تسكنها أحلامنا تارة وأجسادنا أخرى، وإلى أن نستقر بها، فكلٌ منا يؤدى دوره، ولنتذكر جميعاً: يحيا الوطن -أى وطن- بحياة أبنائه، برخائهم، بسعادتهم، بتفوقهم، ويموت الوطن أيضاً بموتهم، بشقائهم، بتعاستهم بتراجعهم.