مؤكد أننى لم أقصد مضايقة أحد بمقال الأمس: «كله يتكتك نفسه»، الذى تناولت فيه كلام المهندس «محلب» عن ضرورة أن يتخلى الشباب عن التشبث بأهداب الحكومة والبحث عن الوظيفة الميرى، ووجّه نظرهم إلى الاستثمار فى مجال «سواقة التكاتك» أو فى أى مجال حرفى آخر. فما قاله رئيس الوزراء يعبّر عن رؤية يؤمن بها البعض عندما ينظرون إلى حال الشباب الذى يحمل شهادات جامعية ولا يمل البحث عن وظيفة فى الحكومة، رغم أن أمامه فرصاً عديدة للعمل اليدوى يمكن أن يحصد منها الكثير من المكاسب.
لقد أردت فقط أن أعبّر عن استغرابى من مسألة أن يجد رئيس الوزراء، الذى يوصف بـ«البلدوزر»، الحل فى «توك توك»، رغم أن الحكومة نفسها تحارب ظاهرة انتشار «التكاتك» وتجتهد فى حصارها! وعلى ما فى هذا الكلام من مفارقة، على ما فيه أيضاً من جرح لمشاعر العديد من الأسر التى دفعت دم قلبها فى التعليم. إننى أفهم أن الطلب على الشهادة أصبح يتفوق كثيراً على الطلب على العلم لدى الأسر المصرية، لكن ثمن الحصول على شهادة اليوم أصبح باهظاً، لو حسبنا تكلفة الدروس الخصوصية التى أصبحت فرضاً مقدساً على الغنى والفقير، ورغم تحفظى الشخصى على هذا السلوك الذى أجده داءً اجتماعياً يساهم المواطن فى استفحاله، فإننى لا أعفى الحكومة من التراخى فى التعامل معه، خصوصاً أن رئيسها «بلدوزر»!. لعلك تذكر أن الرئيس عبدالفتاح السيسى قال مداعباً المهندس إبراهيم محلب: «انت قلت لى إنك هتبقى زى البلدوزر.. فين البلدوزر ده؟!».
الكل يلاحظ أن رئيس الوزراء يبذل جهداً كبيراً ويتحرك فى اتجاهات عديدة، والكل يعلم أن تركة الأزمات التى تواجهها الحكومة كبيرة، لكن جوهر المشكلة يرتبط بالتمسك بأساليب تفكير قديمة تؤدى إلى جعل نتائج الجهود الكبيرة التى تُبذل محدودة. القديم فى هذه الأساليب هو «نبرة التعالى» التى تسيطر على خطاب السلطة وهى تتحدث إلى الشعب، وهى نبرة لا تستقيم مطلقاً مع الحالة التى تعيشها مصر بعد ثورتين. فالمسكوت عنه فى حديث «التوك توك» هو اتهام مبطن للشباب بأنه لا يعمل، ولا يريد أن يعمل، ويتمسك بالأسلوب التقليدى فى التفكير فيبحث عن الوظيفة الحكومية، ويأبى التفكير بأسلوب جديد يتسق مع تحولات العصر الذى سقطت فيه نظرية «عيال الدولة»، وهذه الرؤية تنسحب أيضاً على نظرة الحكومة إلى فئات أخرى غير الشباب. وليس بإمكانى ولا بإمكان غيرى أن ينكر أن هناك حالة من الخمول واللامبالاة أصابت الكثير من المصريين، وأن البطالة المقنّعة تسيطر على الكثير من مؤسسات الدولة، لكن لسان حال المواطن يقول: الحكومة أيضاً «مش شايفة شغلها»، وأن مثل المسئول كمثل المواطن لا يريد أن يجهد نفسه فى شىء، ورغم ذلك فإنه يعيش عيشة مخملية، تختلف كثيراً عن حياة المواطن. مؤكد أن الشاب الذى يحجم عن العمل ويردد أنه من «عيال الدولة» تفكيره قديم، لكن ذلك لا يمنع أن الحكومة التى تتعالى على المواطن وتؤمن بنظرية «الدولة عوالة على الشعب» قديمة أيضاً!.