بمناسبة أن هولندا هى ضيف الشرف فى افتتاح قناة السويس، ولأننى عائد من أمستردام بعد عدة لقاءات وحوارات مع المغتربين هناك؛ أنقل لكم خلاصتها..
أصدقائى هناك كثيرون، على رأسهم: شوقى أبوالخير رئيس الجالية، وفاروق إبراهيم زميلنا فى الاتحاد العام للمصريين بالخارج عندما كنت رئيساً للاتحاد عام 1987 وأعتبره أهم مصرى فى هولندا (ونموذج للمغترب المثالى).. ليه؟
فاروق، الذى ترك دراسة الطب فى السبعينات وسافر إلى هولندا ليتعلم اللغة ثم اتجه إلى الترجمة ليعمل بعد ذلك فى قسم التحرير بالإذاعة والتليفزيون، ليختلف مساره تماماً عن الـ29 ألف مصرى بهولندا، العاملين جميعاً بقطاع المطاعم، ومحلات بيع الشاورما، أغلبهم ليس لديهم الوقت أو اللغة السليمة لمساندة القضايا المصرية.. فى حين تغلغل التنظيم الدولى للإخوان وكسب الإعلام الهولندى فى صفّه، بعد استئجاره بعض العاطلين من الهولنديين والباكستانيين والهنود العاملين فى الإدارات الحكومية وفى المجالس البلدية!!
والدليل: رأيت بعينى فى زيارة سابقة، أمام محطة القطارات الوحيدة فى أمستردام، سيدة هولندية ممن نسميهم فى فرنسا «كوليشار» (أى ساكنى الأرصفة)، تقف على الكوبرى الذى يصل المحطة بالمدينة، تحمل صورة «الجاسوس» وعلامة «رابعة» على صدرها، وتمسك بـ«ترومبيطة» تدق عليها للفت الأنظار، وبأعلى صوتها تقول: أنقذوا مصر من الديكتاتور «C.C».. وكل العابرين يلتفتون ليقرأوا ويسمعوا.. كنت فى بلكونة الفندق المُطل على الكوبرى، أتأمل وأندهش وأسأل: من يدفع لهذه السيدة «اليومية» (250 يورو)؟
وجاءنى الرد: فى هولندا 29 من «خرفان» مرسى، من أصل 29 ألف مصرى هناك.. الـ29 واحد معلَّقين على مطاعمهم علامة «رابعة» وصورة الجاسوس، وما زالوا يعتقدون أن «مرسى» راجع.. ليه؟
1- لأن «قناة الجزيرة» مع «مكملين» وغيرها هى الموجودة فى الساحة.. «الجزيرة إنجلش» هى الناطقة باسم العرب والمسلمين.. هى CNN.. وكلهم شبه بعض.. الانحياز كامل، والسم فى العسل على عينك يا تاجر.. والإعلام فى هولندا لمن يعرف اللغة ويتابع، ضد السياسة المصرية الحالية عمَّال على بطَّال!!
2- بما أن الإعلام هناك مع من يمِّول..، والممول هم الإخوان، بالتالى نجح فى حشد التعاطف الإنسانى مع «الخرفان»، وجعل موظفى كثير من الإدارات المحلية يقفون بجانبهم.. والدليل:
صديقنا «فاروق» الذى يتحدث اللغة بطلاقة، والفاهم للقوانين والإجراءات، بحكم عمله كمترجم ومحرر، توجه إلى بلدية أمستردام، طالباً تصريحاً بتحديد موعد «لمظاهرة تأييد للسيسى، وللسياسة المصرية» بعد أن صرَّحوا 6 مرات للخرفان بعمل مظاهرات مع «مرسى».. فماذا حدث؟
موظف البلدية المسئول (من أصول شرق آسيا) قال لـ«فاروق»: الجدول للمظاهرات مشغول حتى شهر سبتمبر.. فاروق (الفاهم والمتمكن من اللغة) بعد «هات وخد واشمعنى، وأنت باين عليك إخوانى».. طلب رئيسه.. نزل واحد (برضه باكستانى أو هندى) قال: نفس الكلام (مفيش مواعيد قبل سبتمبر).. «فاروق» يطلب نائب العمدة (هولندى أصلى).. وفاروق ويُهدِّد باللجوء للبرلمان (هناك من حق أى مواطن أن يدخل البرلمان ويشكو).. (نائب العمدة) يُفتِّش بالدفاتر.. ويعطى فاروق حرية اختيار التاريخ (اللى يعجبه).. فاروق يختار اليوم ويشكره، ولكن يتمسك بمحاسبة الاتنين الموظفين المتعاطفين مع الخرفان، وأن يتم إخطاره بالجزاء الذى سيوقَّع عليهما!!
السؤال: فيه مئات زى «فاروق» متمكنين من اللغة، وعلى دراية بالقوانين والإجراءات فى كل العواصم العالمية.. فكيف نستفيد منهم كـ«سفراء»؟
صباح الخير سيادة الرئيس..
أعلم أن الكل مشغول بالاحتفال العظيم.. ولكنى أُنبِّه للتالى:
1- بما أن «هولندا» هى الدولة التى اخترناها «كدولة شرف» يوم 6 أغسطس؛ يُرجى أن تتم لقاءات بالكواليس لشرح الموقف و«تشريحه» لهم من جديد.. فيكفى أن تسمع أخبار مصر فى الإعلام الهولندى، لتتحقق من الانحياز الأعمى، حتى فى نشرة الأحوال الجوية، كما تفعل الجزيرة (يتجاهلون الطقس اللطيف على مصر معظم شهور السنة، ولكن مع أى موجة حر أو غبار، يُبرزون الخبر وكأن حكومة مصر هى المسئولة.. إلى هذه الدرجة وأكثر!!).
2- قُلنا من زمــااان.. مصر تحتاج إلى «لوبى» مصرى بالخارج.. خاصة من الجيل التانى والثالث، لأبناء المغتربين هناك.. هذا «اللوبى» هو الامتداد الجغرافى للسياسات الخارجية المصرية، يساعد متخِّذ القرار فى مصر.. يدافع عن القضايا الوطنية هناك، بدلاً من ترك المساحة للآخرين.. بعد أن أصبح لدينا نجوم من هؤلاء الشباب فى سماء العواصم الغربية بكل المجالات، وهؤلاء يتحدثون لغة البلد بطلاقة، ولهم زمـلاء وأصدقاء من المدرسة حتى الجامعة، ويحملون جنسية البلد المولودين على أرضه و...
وهذا لن يحدث إلا بتدخل ومساهمة ومساعدة الخارجية المصرية، مع هيئة الاستعلامات، مع الدعم الرئاسى مرحلياً لمثل هذا اللوبى!!
والبداية: «رؤية».. ثم «خطط»، و«سياسات»، و«برامج»، لنجنى الثمار وللأبد.. ولن يحدث ذلك بدون قناة بمستوى CNN و«إيرونيوز»، و«الجزيرة» التى تجدها فى كل فندق أو حتى بانسيون، تبث سمومها فى عقول الخواجات، ونحن هنا مشغولون بالصراعات والتخوين وتقطيع الهدوم!!
السؤال: متى سنخرج من هذه القوقعة، بعد أن انعزلنا عن العالم، وقاعدين نكلِّم بعض!!
ونستكمل الثلاثاء المقبل.