خلافاً للعديد من المشروعات التى قررت حكومات مختلفة إنجازها فى توقيتات زمنية محددة، ولم تفلح فى ذلك، نجحت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة فى إنفاذ تكليف الرئيس عبدالفتاح السيسى بالانتهاء من حفر التفريعة الجديد لقناة السويس فى مدة عام، وهو إنجاز استثنائى، حتى بالنسبة للسلطة الحالية التى لم تستطع أن تفعل ذلك بالنسبة لمشروعات أخرى وعدت بها، وأتصور أن تحقيق الهدف «مشروع القناة» فى المدة الزمنية المخططة له يمثل نقطة ارتكاز يمكن البناء عليها فى رسم خرائط المستقبل، ودعنى أقل لك كيف؟
أغلب المصريين، حكومة وشعباً، ليس لديهم الحساسية المطلوبة إزاء عنصر الوقت، ويحتكم أداء أغلبنا إلى قاعدة «كل شىء بأوانه»، ولا يهم أن يئين هذا الأوان بعد يوم، أو شهر، أو سنة، أو عشر سنوات. هذه المرة احتكم المشاركون فى المشروع إلى قاعدة «كله بمعاد»، فتم الانتهاء منه فى الموعد الزمنى المحدد له. وأهم قيمة ترتبط بهذا النمط من الأداء تتحدد فى «اكتساب الثقة» فى الذات، وفى قدرتها على إنجاز الأهداف فى توقيتات زمنية محددة، دون تخاذل أو تباطؤ. فمؤكد أن إنجاز المشروع على هذا النحو منح القائمين عليه والمشاركين فيه درجة عالية من الثقة التى سترفع مستوى أدائهم فى أى مشروعات مستقبلية، والأخطر من ذلك يتعلق بثقة المصريين فى مصداقية السلطة فى وعودها، بما يترتب على ذلك من نتائج إيجابية.
حفر التفريعة الجديدة لقناة السويس خلال عام يعبر عن حالة استثنائية من المفترض أن تتحول إلى حالة عامة، على الأقل بالنسبة للسلطة التى رددت ذات يوم عبارة «مصر هتبقى أد الدنيا». مطلوب من هذه السلطة أن تراجع المشكلات وأسلوب الأداء الذى حكم المشروعات الأخرى التى تجاوزت المواعيد المحددة لها، وما زالت فى طور التنفيذ، حتى تكتسب المزيد من المصداقية لدى المصريين، لأن حالة نجاح واحدة لا تكفى، فمصر فى حاجة إلى المزيد. ولو عبر الاحتفال بهذا المشروع دون أن تثبت السلطة أن الالتزام بالخطط محددة المواعيد هو دأبها ومنهجها فسوف يفقد الحدث جانباً من زخمه.
من المطلوب أيضاً أن تنهض الأجهزة المعنية بحملة إعلامية متكاملة، يمكن أن نطلق عليها «حملة جدار الثقة» تستهدف ترسيخ قيمة الالتزام بمواعيد زمنية محددة لأى مشروع، وتُجذّر داخل المواطن إحساساً بـ«الثقة فى النفس»، وفى قدرته على الفعل إذا راعى الدرجة المطلوبة من الانضباط فى تحقيق الأهداف. ذلك فى تقديرى هو الاستثمار الحقيقى لهذا الحدث، استثمار «التغيير الثقافى»، للخروج من دوائر التواكل وجلد الذات إلى دائرة الثقة والقدرة على تحقيق الأهداف. فكرة حملة «جدار الثقة» أضعها بين يدى المسئولين، فربما ساهمت فى استثمار الحدث بشكل موضوعى، بعيداً عن الشعارات الزاعقة، والعبارات الرنانة الطنانة التى تنتمى إلى عصور تجاوزها الزمن المعيش، والأفكار التى تجتهد فى استنساخ ما لا يصح استنساخه!