انصياعاً لهذا الحراك الشعبى، رضخ حيدر العبادى، رئيس الوزراء، وأعلن حزمة الإصلاحات التى أقرها البرلمان، ولم تكن تؤدى الغرض لكن رغم ذلك رضى الشعب واعتبرها خطوة فى طريق ألف خطوة يريدونها، اعتبروها بادرة حسن نية من الرجل، الذى قال: أعرف أن الإصلاحات ليست سهلة.
ومنذ بداية الإصلاحات والإعلان عنها، خصوصاً إلغاء منصب نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء، ومنهم «المالكى»، الفاسد الكبير، مدبر المكائد، بدأت التفجيرات فى ديالى، تفجيران ومئات الجرحى والقتلى، وفى مدينة الصدر فى سوق شعبية وكثير من القتلى وكثير من الجرحى.
وتنظيم داعش يعلن المسئولية وقتها، احترنا جميعاً، ما علاقة «داعش» بإجراء هذه الإصلاحات؟
وأذكر أننى استضفت أحد المسئولين الأمنيين السابقين، وأكد لى أن «المالكى» جعل الأجهزة الأمنية والعسكرية مخترقة من قبل «داعش» وغيرها، رجل وضع يده فى يد الشيطان، من أجل أغراضه الدنيئة، ومن أجل سيده القابع فى طهران، من هذه الإصلاحات ومن هذه الإجراءات أقف أمام خطوة مهمة هى لجنة التحقيق التى تشكلت مؤخراً من برلمانيين بخصوص التحقيق فى واقعة شديدة الخطورة وهى انسحاب الأجهزة والقيادات الأمنية والعسكرية، دون أى مبرر، لتترك الموصل لقمة سائغة فى يد «داعش».
كانت «داعش» قد شنّت فى 9 يونيو عام 2014 هجوماً واسعاً على الموصل، فى اليوم الثانى أعلنت سيطرتها عليها بالكامل، وكانت هى النقطة الأكبر التى جعلت «داعش» يتمدد ويسيطر على مناطق شاسعة من الشمال ومن الغرب، وصولاً إلى أطراف بغداد.
وهنا ظل السؤال يلف فى أرجاء العقول الواعية، ما الذى جعل القيادات الأمنية تنسحب هكذا وتترك أسلحة ثقيلة ومعدات تم شراؤها من قوت ودماء العراقيين، بصفقات أسلحة سيكشف التاريخ فجاعة الفساد فيها، فساد وصل إلى مليارات الدولارات سُددت من الخزينة تحت بند سلاح، وفى النهاية أعطاها «المالكى» هدية لـ«داعش» ومعها الموصل، مقابل أن يأكل «داعش» أعداء «المالكى» من سنة وأكراد وشيعة ومعتدلين.
هو كان يعرف أن نهايته اقتربت، فأراد أن يترك لمن يأتى بعده تركة ثقيلة، هى النظرية الخائنة نفسها، إما أن نحكمكم وإما أن نقتلكم.
هنا زادت المعادلة، إما أن نحكمكم وإما ليس هناك عراق، سنبيعه وبالقطعة.
الموصل وبعدها الرمادى والأنبار وغيرها
وبعد مرور عام، بقيت القيادات الأمنية نفسها، التى انسحبت، فى مكانها، بل رُقى بعضها وأخذوا مزيداً من العلاوات، هى نفسها القيادات التى أدارت معركة الرمادى مركز محافظة الأنبار فى مايو الماضى من هذا العام مع «داعش» أيضاً، وهى الخيانة نفسها، والتكتيك نفسه فى الخنوع، حيث انسحبت هذه القيادات بلا أى إذن من القيادات العليا فى العراق ولا من رئيس الوزراء حيدر العبادى، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة، انسحبت وتركت كل عتادها الثقيل وأسلحتها الخفيفة وغادرت.
فى لحظة الانسحاب نفسها، خرج علينا صهيب الراوى، محافظ الأنبار، ليعلن أن هذه الانسحابات غير مبررة وغريبة، ومجلس المحافظة سيفتح تحقيقاً مع جميع القيادات الأمنية، وفى النهاية سقطت الرمادى فى يد «داعش».
أوضح صهيب الراوى أن الذى انسحب بالضبط هو الفرقة الذهبية، التى كانت توجد فى منطقة الملعب، وهى لم تتعرض إلى أى هجوم، بعدها مباشرة انسحبت قيادة العمليات بالكامل.
إن الفرقة الذهبية أو فرقة النخبة فى الجيش العراقى، التى ربّاها وكوّنها «المالكى» على الخيانة والاختراق أثبتت التحقيقات التى أحالها حيدر العبادى إلى مجلس النواب الذى أقرها كاملة بإحالة الفاسدين فى الواقعتين، الموصل والرمادى، إلى القضاء، وفى مقدمتهم قيادات هذه الفرقة.
هذه الفرقة، أكد «العابدى»، رئيس الوزراء، أنها كانت سلطة فوق سلطته، تعمل بمعزل عنه، والدليل إحالته مخرجات لجنتى التحقيق إلى البرلمان الذى أحالها إلى القضاء، هذه القيادات هى تربية «المالكى».
القيادات فى واقعة الرمادى أرادت أن تسلم الرمادى ذات الثقل السنى إلى «داعش» ليذبح ويهجر أهلها، هى القيادات نفسها التى كانت موجودة حين نزح أهل الأنبار بعد سيطرة «داعش» عليها قالوا «على كل أنبارى يريد دخول بغداد أن يكون له كفيل».
هؤلاء النازحون الذين قاسوا الأمرين فى جو شديد الحرارة ظلوا عالقين شهوراً كاملة بلا دعم ولا رحمة.
لا حل سوى أن تسير عجلة الإصلاح!
الوضع فى العراق مختلف هذه المرة ومحور الاختلاف يأتى من صحوة الشعب العراقى الحبيب، صحوة وضعت السياسيين على المحك الحقيقى، إما أن تتحقق الإصلاحات وإما أن يخرج المارد من جحره ويحرق الأخضر واليابس، الشعب ما عاد سينتظر، هو الآن مستكين، لكنه ينتظر ماذا سيحدث.
البرلمان أقر توصيات لجنة التحقيق بالإجماع، وبالتالى خرجت إلى المدعى العام الذى بدوره سيضعها أمام القضاء، لكن العارفين بمصيبة الفساد يتأكدون من أن هذا الفيروس ينخر فى جسد القضاء العراقى، وبغير إصلاحات جذرية تطاله ستذهب نتائج عمل اللجنتين إلى الفراغ، وقد نجد «المالكى» بريئاً من تهمة الخيانة العظمى.
والخوف يتأتى من تلك الجملة التى عنونت بها صحيفة «نيويورك تايمز» افتتاحيتها، حين كتبت «معروف عن السياسيين العراقيين أنهم يسوون خلافاتهم عن طريق العنف وحقن مظالم الماضى بنزاعات الوقت الراهن».
قد نتوقع صدامات، لكنها ستكون صدامات لسياسيين، والشعب سيكون بعيداً عن خلافاتهم، ملتحماً مع بعضه، إلا إذا حدثت فتنة كبرى.