للمرة الثالثة منذ مارس ٢٠١١ يدعى المواطن لمراكز الاقتراع لتقرير مصير الوطن، فى استفتاء التعديلات الدستورية ثم الانتخابات التشريعية والآن الانتخابات الرئاسية. اعتياد المشاركة ودورية التصويت هما حجر الأساس فى تعلمنا الممارسة الديمقراطية وتقبل قواعدها المتمثلة فى الاختيار الحر والتنافس واحترام النتائج طالما اتسمت الاستفتاءات والانتخابات بالنزاهة. بهذا المعنى، المصريات والمصريون أمام إنجاز تاريخى غاب عنهم منذ ١٩٥٢ وكان أقرب للمستحيل قبل أقل من عامين.
للمرة الثالثة منذ مارس ٢٠١١ تكتمل عناصر العملية الانتخابية من ناخبين ومرشحين وهيئة قضائية وموظفين ومراقبين وعناصر تأمين وإعلام لتغير تدريجياً الصورة الذهنية للانتخابات المصرية المزورة بفعل تدخلات نظام حكم قمعى والخالية من الناخبين. بالطبع، وأؤكد هذا فى ضوء مشاهداتى كمراقب ليوم الانتخابات الرئاسية الأول وقبل أن أبدأ أعمال مراقبة اليوم الثانى، تحدث تجاوزات وخروقات ومخالفات جوهرها محاولة التأثير على الناخب إن بالمال الانتخابى (النقدى والعينى) أو بالدعاية وكسر الحظر المفروض عليها أو بالتصويت الجماعى. بالطبع، ما زالت تحدث تجاوزات أعمق أثراً وذات صلة بتوظيف الدين ودور العبادة انتخابياً وتحويل الاقتراع من اختيار بين بدائل سياسية إلى صراع زائف بين الصالح والطالح. على الرغم من هذا، لم نعد لا مع انتخابات مزورة ولا مع تجاوزات واسعة النطاق بفعل تدخلات أمنية، ومن ثم أصبحت الإرادة الشعبية هى الفيصل فى تحديد النتائج.
للمرة الثالثة منذ مارس ٢٠١١ أشاهد بعينى رغبة وإصرار المصريات والمصريين فى طوابير الانتخاب. قد يأتى البعض لمراكز الاقتراع بفعل المال الانتخابى أو غيره من المؤثرات، إلا أن الأغلبية تذهب عن قناعات راسخة (أياً كان جوهرها) والأغلبية تثابر إلى أن تؤدى واجبها الوطنى. مبهرة رغبة كبار السن وذوى الاحتياجات الخاصة والنساء الحاضنات فى الإدلاء بالصوت، وإصرار الناخب عن وعى وفهم لقواعد التصويت ولحقوقه يبعث على التفاؤل بقدرتنا على ممارسة الديمقراطية.
للمرة الثالثة منذ مارس ٢٠١١ نتطلع لاكتمال الاقتراع والتصويت وبدء عمليات الفرز والإعلان عن النتائج ونتمنى غياب التجاوزات أو عدم تماديها لإفساد نزاهة الانتخابات. والمطلوب منا جميعاً حين تعلن النتائج وطالما تثبتنا من النزاهة أن نقبلها ونحترمها. فقواعد اللعبة الديمقراطية والتنافس الانتخابى تقتضى هذا ودونه لن تكتمل الممارسة الديمقراطية.
تحية للثورة العظيمة وللشهداء ولكل من ناضل من أجل الحق والحرية قبل ٢٥ يناير ٢٠١١، فلولاهم لما كنا حيث نحن اليوم ولما اعتدنا الانتخاب والمشاركة.