سؤال إلى الضمير المصرى العام أود أن أطرحه حول موضوع «المجلس الأعلى للعالم»: حتى متى يمكنك قبول فكرة أن تتعامل بعض النوافذ الإعلامية معك بهذا القدر من الاستخفاف؟. من واجب الإعلام أن يعطى المساحة لكل الأصوات لكى تعبر عن آرائها ورؤيتها للواقع وتفاعلاته، بشرط ألا تتحول أجهزته إلى أدوات لنشر الأساطير والتخاريف التى تتناقض مع أبسط قواعد العقل والمنطق، وألا تجعل من برامجها أداة لترويج وتسويق كلام لا يوجد عليه أى سند أو دليل، مثل الحديث عن أن العالم محكوم بمجلس أعلى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، ويمتلك هذا المجلس القدرة على التأثير فى الطقس وإسقاط الأمطار وإحداث الفيضان والزلازل والبراكين، وأن التحكم فى الطبيعة هو السلاح الجديد الذى يستخدمه المجلس الأعلى للفتك بأعدائه، وعلى رأسهم بالطبع مصر، بهدف عرقلتها وتهنيج قدرتها على النمو والتقدم.
هذا الخطاب الذى يتحلق حول المستحيلات الثلاثة (الغول والعنقاء والخل الوفى)، يتشابه إلى حد كبير مع الخطاب الذى تطرحه جماعة الإخوان المسلمين، فالجماعة تربى أعضاءها على فكرة أن كل العالم يستيقظ من النوم كل صباح ليكيد ويتآمر على الإسلام، يستوى فى ذلك الغول الأمريكى مع العنقاء الروسية، وأن الخل الوفى الوحيد للإسلام هو جماعة الإخوان نفسها!. هذا ما يفعله أصحاب نظرية «المجلس الأعلى للعالم»، حين يثرثرون بكلام -أصفه تأدباً بالساذج- يزعمون أنه متوافر على الإنترنت، يذهب إلى أن مجلس إدارة العالم الذى تترأسه الولايات المتحدة الأمريكية يستيقظ غيلانه وعنقاواته كل صباح، وبعد أن يفركوا أعينهم بعنف من طول السهاد، يسألون بعضهم البعض: ماذا سنفعل اليوم لنعرقل نهضة مصر المحروسة؟!. طيب سأفترض أن هذا الكلام يمكن لعقول ذات احتياجات خاصة أن تتقبله، لكننى أسأل: هل يمكن لعاقل أن يتصور أن المجلس الذى يلعب فى الطبيعة ويرسل «تسونامى» إلى دول، ويشوى أخرى بالحرارة المرتفعة، ويدربك ثالثة بالزلازل، ويحرق رابعة بالبراكين أن ينشر خططه وأدواته على الإنترنت بهذه السذاجة، لتصل إلى أيدى المصريين المستهدفين بهذا الكيد؟!.
من الواضح أن أصحاب هذه النظرية من مدمنى مشاهدة الأفلام العربى (أبيض وأسود)، ففيما أذكر أن هناك فيلماً عربياً قديماً بطولة شادية وكمال الشناوى وزوزو ماضى وفاخر فاخر وإسماعيل ياسين، يحكى قصة فتاة كانت عمتها (زوزو ماضى) تريد أن تزوجها من شخص معين (فاخر فاخر) وكان اسمه «نافع»، فى حين كانت الفتاة (شادية) تحب آخر (كمال الشناوى)، فكانت العمة الشريرة تخضع الفتاة باستخدام قدراتها الخاصة فى التنويم المغناطيسى، فتنيمها ثم تلقى فى روعها أن الكل يكرهها والكل يريد أن يضرها وأن الوحيد الذى يحبها ويريد أن ينفعها هو «نافع»، وينتهى الفيلم بمشهد مثير يجمع إسماعيل ياسين مع زوزو ماضى وهى تحاول أن تمارس معه مهنة التنويم المغناطيسى، فتقول له: شد اللحاف.. فيرد عليها قائلاً: متغطى بالبطانية كويس!.. ابقوا اتغطوا قبل ما تناموا!.