«الحوطة» تحت حصار «الميليشيات» وقذائف «الحوثى» فى اليمن
«الحوطة» تحت حصار «الميليشيات» وقذائف «الحوثى» فى اليمن
منزل لم ينج من قذائف الحوثيين فى الحوطة
حملت «ثريا» ذات السنوات الست شمسيتها واحتضنت «عروستها» داخل منزلها المتهدم، بعد قصف الحوثيين له، لتحتمى من مياه الأمطار التى باغتت مدينة «الحوطة» عاصمة محافظة لحج فى اليمن.
اقتحمت المياه على الطفلة الصغيرة حجرتها فى منزل الحاج عبدالله على بحارة الخليل، الذى تهدم جراء عمليات القصف، ولم يجد الرجل العجوز وأسرته، التى تتجاوز عشرين فرداً، مكاناً يهربون إليه غير منزله الذى تهدمت حوائطه، فوضع لوحاً من الخشب وخلفه قطعة من القماش لتحمى أفراد أسرته من أعين المتطفلين، وعاش مع ما تبقى من أسرته على أطلال منزله الذى كان.
«عبدالله»: الدبابة قصفت منزلى.. وبقيت أطلال طابق واحد نعيش فيه أنا وأسرتى
الحاج عبدالله واحد من مئات الأسر التى اضطرتها ظروف الحرب أن تعيش على ركام بيوتها، حيث أكدت أرقام آخر إحصاء رسمى أجرته الحكومة اليمنية عقب الحرب، تضرر حوالى 90 ألف منزل من مدن الجنوب، والرقم مرشح للزيادة حيث لم ينتهِ الإحصاء بعد، حسبما أكد مدير مكتب الرئيس اليمنى هادى منصور فى عدن، محمد مارم.
«الحمد لله كنا فى الخارج وقت أن قصف المنزل ولم يصب أى من أفراد أسرتى»، قال الحاج عبدالله، وأضاف بنبرة حزينة وهو يضم طفلة صغيرة إلى أحضانه: «لكن استشهد جارى سالم محمد، وزوجته وتركا بنتاً عمرها عامان تقريباً، هى هذه الفتاة الجميلة (أشار للفتاة الجالسة فى أحضانه)، وولد عمره 3 سنوات، أخذتهما ليعيشا معى هنا بعدما فقدا كل أسرتهما».
الحوثيون منعوا وصول الأغذية إلى «عدن» فبدأت المقاومة تنظيم عمليات التهريب
كان الرعد يهدر خارج الحجرة المتهدمة، ومياه الأمطار الغزيرة تتساقط على رؤوسنا داخل الحجرة المظلمة، لم تعد الكهرباء للمنزل منذ أن تهدم.. اعتذر الرجل بخجل من وضع بيته المتهدم، وتابع: «كنا نعيش هنا أنا وأولادى الأربعة، ياسين، وعلى، ومحمد، وأسرهم، إضافة إلى أبناء ابنى إيفان، الذى توفى فى حادث سيارة، كل واحد كان يعيش فى شقة صغيرة فى المنزل المكون من 3 طوابق، تهدم طابقان، وبقيت أطلال طابق واحد نعيش فيه جميعاً، ولا ملجأ لنا سوى هذا المكان، حاولنا الخروج من المنزل بعد قصفه بـ3 أيام، لكن لم أجد أى مكان يؤوينى وأسرتى الكبيرة فعدت بهم مرة أخرى إلى البيت، وضعنا أخشاباً وقماشاً مكان الباب المتهدم، وحاولنا تغطية الفتحات الأخرى من القصف بالأخشاب».
أمسكت خديجة عوض، زوجة الحاج عبدالله، يد حفيدها ياسر بقوة، ونهرته محذرة من تسلق الجدار المتهدم، وهى تردد: «الحياة أصبحت صعبة جداً، نحن نعيش فى البيت المتهدم بلا كهرباء ولا مياه ونعانى بشكل كبير لكن ماذا نفعل، ليس لنا مكان آخر نذهب إليه».
لم تكن «خديجة» وحدها هى التى تشعر بالمعاناة: «كل نساء الحوطة يعانين، الأوضاع هنا صعبة جداً»، قال إياد الصحفى بإذاعة لحج، التى توقفت عن العمل منذ نشوب الحرب وتوقف معها راتبه وراتب كل العاملين بالمحطة الإذاعية.
مدير مكتب «هادى»: تدمير 90 ألف منزل فى مدن الجنوب
تعد لحج، المحافظة الزراعية المجاورة لمحافظة عدن وسلة الغذاء للعاصمة، تشتهر المحافظة المترامية الأطراف بالزراعة، وتقدم كميات كبيرة من الخضر والفاكهة لعدن يومياً ما دفع الحوثيين إلى السيطرة على طريق «لحج - عدن» لتشديد الحصار على العاصمة. «من هنا كان يبدأ تهريب الغذاء لعدن».. عبارة قالها «وسيم» سائق السيارة، وأشار إلى نقطة «الفيوش» على طريق لحج عدن، حيث نصب الحوثيون كميناً كبيراً لمنع عبور الخضراوات والفاكهة إلى مدينة عدن، وتكدست هنا سيارات الخضراوات فى البداية، فسدت الفاكهة ثم بعد ذلك تنبه شباب المقاومة وبدأت رحلة البحث عن طرق بديلة لتهريب الخضراوات للعاصمة.
على طول الطريق من عدن إلى الحوطة والبالغ نحو 45 كيلومتراً انتشرت أكمنة المقاومة، كل 3 كيلو تقريباً نقطة أمنية: «لم يعد هناك حوثيون ولا شماليون، لكن المقاومة تحتاط لأى أمر لذلك تكثف من لجانها على الطرق بين المدن والمحافظات»، أكد وسيم الشاب العشرين.
فى مدخل الحوطة وقفت 4 سيارات «لاند كروز» محملة بالشباب المسلحين: «نحن فى حاجة لدولة، نحتاج لأمن وأمان»، قال خالد محيسن العسكرى بالمرور: «كل يوم مشاحنات مسلحة ومشاجرات بين فصائل وميليشيات، أمس قتلوا شيخاً وأمس الأول قتلوا شاباً آخر، عمليات القتل زادت، وكذلك انتشار الجماعات المسلحة».
كان الركام فقط هو كل ما تبقى من مدرسة «المحسنية» التى تعد واحدة من أشهر وأقدم المدارس فى اليمن، كانت المدرسة مبنية من الطوب اللبن مثلها مثل معظم منازل «الحوطة» الشهيرة بزراعة الفل والياسمين وصناعة الحلوى خاصة «الهريسة» وحلوى «المضروبة»، حلوى تصنع من العجين والسكر والسمن والعسل وهى تشبه «الكحك».
كان صوت الرعد يهز المنازل، بينما بقى الباعة فى سوق المدينة لم يتحركوا من أمام بضاعتهم، أنهار من مياه الأمطار تنجرف بسرعة كبيرة فى الطريق المائل تتوقف وتغير طريقها، تعبر بجوار ركام البيوت المتهدمة والباقية كشاهد على ما جرى فى المدينة الصغيرة: «القناصة كانوا فى كل مكان ضربوا سيدة وطفلها الرضيع أمام ملعب الحوطة»، قال حسين الذغيرى، وأضاف: «لم يكتفوا بالقنص بل دكت مدافعهم منازل المدينة الصغيرة بلا رحمة».