ثمة محوران يتشكلان حالياً حول الأزمة السورية، المحور الأول يقوده الروس بالتحالف مع الصين وإيران ويعمل تحت مظلة دعم شيعى داخل المنطقة العربية، أما المحور الثانى فتقوده الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية والمملكة العربية السعودية وقطر وتركيا، ويعمل تحت مظلة دعم سنى داخل المنطقة العربية. والذريعة الأخلاقية التى يتحد فيها المحوران تتحدد فى محاربة «داعش»، هذا على مستوى الشكل، أما على مستوى الموضوع فثمة خلافات -تبدو سطحية فى أحوال- حول الموقف من الأزمة السورية، وتحديداً فيما يتعلق بمصير بشار الأسد، وهل يكون جزءاً من ترتيبات الحل، أم أن وضعه كسبب من أسباب الكارثة التى تعانى منها سوريا يقتضى استبعاده من معادلة الحل؟
ويكاد يتوافق موقف مصر من الأزمة السورية مع الأطروحات التى ترى أن من الضرورى أن يكون «بشار» طرفاً فى أى ترتيبات مستقبلية فى سوريا، فثمة مخاطر عديدة تتحسب لها مصر إذا انهارت الدولة أو الجيش السورى، لأن من الوارد أن يكون لهذا الانهيار تأثيرات على الأمن القومى المصرى، خصوصاً فيما يتعلق بتوفير أسلحة فى يد الإرهابيين، بل وضخ عناصر إرهابية جديدة تعمل ضد مصر. وهى تخوفات وتحسبات فى محلها ولا شك، لكن يقابلها فى منطقة الخليج، خصوصاً داخل المملكة العربية السعودية، تخوفات من نوع آخر، تتعلق بالتمدد الإيرانى الشيعى فى المنطقة الذى أصبح يحاصرها من أسفل، عبر سيطرة الحوثيين على الشمال اليمنى، ومن المعلوم أن كلفة عملية «عاصفة الحزم» ثم عملية «إعادة الأمل» على المستويات المادية والبشرية يزيد حجمها بمرور الوقت، وقد أضيف إلى أعباء المملكة فى هذا السياق تدفق القوات الإيرانية إلى سوريا، لتمثل أداة لحماية نظام بشار الأسد على الأرض، فى حين يدعمهم الطيران الروسى فى السماء. وهكذا لم تعد المملكة محاصرة من العناصر الموالية لإيران من أسفل (الجنوب) فقط، بل من أعلى أيضاً (الشمال).
تخوفات مصر من انهيار دولة وجيش سوريا لها وجاهتها، كما أن تخوفات دول الخليج من التمدد الإيرانى فى محلها، لكن ما يجب أخذه فى الاعتبار أن تناقض المواقف فى هذا الملف ما بين مصر والخليج يضعف موقف كل طرف منهما، فالخليج يحتاج مصر حتى يقوى موقفه، بنفس الدرجة التى تحتاج فيها مصر إلى دول الخليج حتى تقوى حجتها. وتناقض المواقف سوف يمنح الأجانب الذين يقدمون أنفسهم كرعاة للإسلام السنى، وكذا الأجانب الذين يلعبون دور الراعى للإسلام الشيعى، فرصاً أعلى وأخطر فى تحقيق مآربهم وأهدافهم فى المنطقة.
عموماً، لا يستطيع أحد أن يراهن على ثبات المواقف فى مثل هذه الأزمات، فمن الوارد أن تتغير مواقف صناع القرار تبعاً لتطور الأحداث، وطبقاً لإملاءات الواقع، والتغيرات المتوقع أن تطرأ على فصول الصراع. وفى كل الأحوال لا بد أن نفهم أن أى طرف يتورط فى صراع لا بد أن يعتمد على حسابات المكسب والخسارة. فلا صوت يعلو فى مثل هذه الأزمات فوق «صوت المصالح»!