طرحت بالأمس رؤيتى لحل أزمة الجمعية التأسيسية لوضع الدستور وطالبت رئيس الجمهورية بالتدخل لإعادة تشكيلها بهدف الوصول إلى دستور يؤسس لدولة مدنية ومجتمع ديمقراطى. حذرت أيضا من استمرار استعلاء أحزاب الإسلام السياسى وهيمنتها مع بعض السائرين فى الركب على وضع الدستور دون اعتبار حقيقى لضرورة التوافق مع الأحزاب الأخرى ومؤسسات مجتمعية مهمة كالكنائس المصرية والنقابات (منذ يومين أعلنت نقابة الصحفيين انسحابها من التأسيسية) والجمعيات الأهلية ومنظمات حقوق الإنسان. ومع أن كلماتى لم تكن الوحيدة التى ذهبت بهذا الاتجاه وعبرت عن ذات المطالب مواقف حزبية ومجتمعية كثيرة ومؤثرة، إلا أن الإخوان ومعهم الأحزاب السلفية يرفضون التراجع ويصرون على الانتهاء من وضع الدستور ويزينون للرأى العام هيمنتهم بكيل الاتهامات لنا وبالدفاع المستميت عن نص دستورى مهلهل. أما رئيس الجمهورية فيصمت هنا كما يصمت عن «محمد محمود» وعن خطر يتجدد كل يوم بتكرار جريمة قتل الأطفال فى أسيوط.
يدفعنى استعلاء الإسلام السياسى والسائرين فى ركبه ومن ثم صعوبة استبعاد أن يطرح «دستورهم» على المواطنات والواطنين فى استفتاء، يدفعنى لمواصلة تناول مسودة الدستور بالشرح والتقييم. وكنت قد توقفت يوم السبت الماضى (الدستور، المقالة رقم 23) عند معالجة بعض الاختصاصات والصلاحيات الخطيرة لرئيس الجمهورية كحل البرلمان. وأتابع اليوم بصلاحيتين أخريين للرئيس لهما مضامين غير ديمقراطية واضحة (وأستند من اليوم إلى مسودة الدستور المؤرخة بتاريخ 11 نوفمبر 2012).
تنص المادة 148 (الباب الثالث السلطات العامة، الفصل الثانى السلطة التنفيذية، فرع رئيس الجمهورية) على أن الرئيس يمثل الدولة فى علاقاتها الخارجية ويبرم المعاهدات ويصدق عليها، ولا تكون لها قوة القانون إلا بعد موافقة مجلسى البرلمان. ثم تشترط لذلك مجرد الأغلبية المطلقة بالمجلسين (50 بالمائة + 1)، أيضا حين يكون موضوع المعاهدات محل النظر هو حقوق سيادة الدولة. تعنى المادة 148 أن الرئيس يستطيع أن يبرم معاهدات يتنازل بها جزئيا أو كليا عن حق الدولة السيادى فى جباية الضرائب لطرف خارجى أو ملكيتها للأراضى خارج إطار الملكية الخاصة والتعاونية لطرف خارجى أو عن تراب وطنى أو عن حقوق السيادة على الأجواء والبحار الإقليمية، ولا يحتاج إلا لموافقة نصف البرلمان + 1. معظم الدساتير التى تعطى لرئيس الجمهورية حق إبرام مثل هذه المعاهدات تشترط موافقة البرلمان بأغلبية خاصة، إما بأغلبية الثلثين وإما بأغلبية 75 بالمائة.
أما المادة 153 فتعطى الرئيس صلاحية دعوة الناخبين للاستفتاء فى المسائل المهمة التى تتصل بمصالح الدولة العليا، على أن تكون نتيجة الاستفتاء ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة فى كل الأحوال. نحن هنا، وبإطلاقية صياغة المادة 153 وغياب الضوابط بشأن دعوة الرئيس الناخبين للاستفتاء أمام رئيس يستطيع أن يعطل أحكام وقرارات سلطات الدولة ويلتف عليها موظفا أداة الاستفتاء الشعبى.
تشريع يجيزه البرلمان ولا يعجب رئيس الجمهورية ويضطر لإصداره، يتحايل عليه باستفتاء شعبى. حكم قضائى لا يرضيه (حكم الدستورية العليا ببطلان قانون انتخابات مجلس الشعب وحل المجلس مثلا)، فيستفتى الناخبات والناخبين عليه بغية إلغائه أو إلغاء ما رتبه من آثار (إعادة مجلس الشعب مثلا). ضوابط غائبة، تضعها دساتير كثيرة من بينها الدستور الفرنسى الذى يشترط موافقة مجلسى البرلمان على توجه الرئيس للشعب فى استفتاء، وأخرى تشترط استقالة الرئيس وجوبيا من منصبه إن جاءت نتيجة الاستفتاء فى غير صالحه. ضوابط غائبة، تفتح المجال واسعا فى مصر لاستبداد رئاسى لا يمكن للعين الموضوعية أن تخطئه.