لو أنك فتشت فى الأسباب الكامنة وراء تردد الكثير من مسئولى الدولة عن مواجهة المشاكل ستجد أن نقص فيتامين «شجاعة الاقتحام» يأتى على رأس هذه الأسباب، لذلك فقد توقفت أمام القرار الجرىء الذى اتخذه الدكتور جابر جاد نصار، رئيس جامعة القاهرة، بإلزام عضوات هيئة التدريس من المنتقبات برفع النقاب للقيام بأعمال التدريس. فمواجهة مثل هذا الأمر تتطلب قدراً كبيراً من الشجاعة، لأنها تضع صاحبها فى مواجهة مع قوى وأفكار وأشخاص لهم سطوتهم على الشارع الذى لا يعرف بعض أفراده أن النقاب ليس أصلاً من أصول الدين، كما يؤكد العديد من الفقهاء والمتخصصين فى هذا المجال. دار بينى وبين الدكتور «جابر» حوار تليفونى حول هذا الموضوع، سألته فيه عن الحسابات التى سبقت اتخاذ هذا القرار، كان رده الفورى: «المصلحة العامة». سألته: وما المصلحة العامة فى مثل هذا القرار؟ فأجاب: احترام الجامعة كمكان له تقاليده، وله مقتضيات وشروط العمل فيه، بالإضافة إلى محاربة الشطط والمغالاة فى التفكير الاجتماعى، وهو دور أصيل من أدوار الجامعة.
وفى تقديرى أن الأمر الثانى له خطورته ووجاهته. فتشبث بعضهن بالنقاب يعبر عن حالة من حالات الشطط والمغالاة التى ترتبط بثقافة اجتماعية مأزومة. للمصريين مثل عجيب يقول «الفقر حشمة»، والحشمة قد تكون فى الزى، وقد تتحقق فى أسلوب التفكير فتجعله غارقاً فى المحافظة حتى المغالاة، وكذلك الفقر، قد يكون فى الجيوب، كما يكون فى العقول وأساليب التفكير أيضاً. قد يتساءل البعض عن السبب الذى يدعو أكثر من يتحدثون فى أمر النقاب إلى عدم الالتفات إلى الفتاوى الصادرة عن مشايخ لهم قيمتهم وقامتهم، قرروا أن النقاب ليس فرضاً على المرأة المسلمة، وبالتالى فحكمه حكم الجواز، وترتيباً على ذلك فمن المنطقى للغاية أن تضع أى جهة من الجهات شرط عدم ارتدائه عند القيام بمهام العمل فيها، إذا تطلبت مهام العمل ذلك.
السبب ببساطة هو التجارة وألاعيبها. فنفاق الجمهور قاعدة أساسية من قواعد اللعبة التجارية. وما أسهل أن تخرج هذه الذقن أو تلك، لتحاضر لنا فى العفة، حتى لو كان على حساب ما أقره الأزهر الشريف منذ عام 2009 من أن النقاب عادة وليس عبادة، وهو وصف دقيق لهذا الغطاء فهو عادة ترتبط بثقافة اجتماعية، ليس إلا!
الجرأة التى تحرك بها رئيس جامعة القاهرة وهو يواجه هذا الموضوع تحتاج إلى ظهير شعبى داعم، يشجعها على الاستمرار، ويشجع غيرها على المبادرة. فجوهر تغيير الأفكار النمطية التى لا تحمل أى وجاهة عقلية أو شرعية يرتبط بمساندة الناس لها، وتتأتى ضرورة هذه المساندة من أن تغيير عقل وأسلوب تفكير المجتمع هو المقدمة الأساسية للتطور والخروج من دوائر التراجع وتردى الأوضاع، لا بد من مواجهة سلطان هذه الأفكار الذى يرتبط فى الأساس بثقافة وعادات اجتماعية أصبحت أقوى فى تأثيرها من أحكام الشرع والدين، يدعمها فى ذلك مجموعة من العقليات المفلسة على مستوى الفكر، تقدم بضاعتها إلى بشر يعانون من أنواع شتى من الإفلاس، وتكون النتيجة أن يتحول البعض إلى عبادة «العادة» من دون الله.. لله الأمر من قبل ومن بعد.