بالفيديو| "مكفوفون على البساط الأخضر".. أقدام منتخب مصر تتجاوز الظلام
بالفيديو| "مكفوفون على البساط الأخضر".. أقدام منتخب مصر تتجاوز الظلام
فريق كرة قدم للمكفوفين
يصطفون كالبنيان المرصوص يرتدون زيا موحدا، تتجه عيونهم إلى ذلك الميدان الفسيح الذي لا تبصره أبدا، يستمعون إلى نصائح أخيرة من قائدهم، يستقر كل لاعب في مكانه منتظرا تلك الصافرة، يهب الجميع مهرولين خلف تلك الكرة المستديرة التي تحمل بداخلها أجراسا تخبرهم بمكانها، وما إن استحوذ أحد اللاعبين على الكرة حتى ينادي على زملائه الذين يردون عليه من فورهم لينقلها إلى أقربهم مكانا إليه، لتنتهي تلك الملحمة بركلة قوية تودع الكرة داخل الشباك هدفا، تتعالى معه صيحات الآلاف ممن جاءوا لمآذرة منتخب بلادهم.
"الوطن" عاشت لحظاتٍ من الأمل مع هؤلاء الذين حلموا بتكوين أول منتخب مصري لكرة القدم من المكفوفين، وبدأوا في قطف أولى ثمار حلمهم بخوض أول بطولة دولية كانوا قاب قوسين أو أدنى من حسمها رغم مشاركة أعاظم دول العالم في اللعبة معهم.
المدير الفني لمنتخب مصر للمكفوفين: أسست فريق الكرة منذ عام.. وتعادلت مع "ألمانيا" ثالث العالم
"أصعب حاجة واجهتني إني أخلي الكفيف يثق في إنه ممكن يتحرك بالكورة ويباصي ويرقّص ويجيب إجوان زيه زي المبصرين"، بتلك الكلمات بدأ الكابتن محمد عبد الرحمن المدير الفني للمنتخب المصري للمكفوفين، حكايته مع "كرة القدم للمكفوفين"، التي بدأت منتصف العام الماضي، "المكفوفين كانو متعودين يلعبو كورة بإنهم يحطوها في كيس ويبدأوا يشوطو على بعض، لكن أنا لقيت إن في دول زي ألمانيا والبرازيل وفرنسا قدرت تخلي المكفوفين يلعبو كورة زيهم زي أي حد، فبدأت مع عدد من المقربين ليا نختار عدد من المكفوفين وندربهم على المهارات الفنية المطلوبة".
رحلة بحث شاقة قضاها مدرس التربية الرياضية الأربعيني من أجل اختيار اللاعبين الذين يصلحون لتمثيل مصر في رياضة كرة القدم للمكفوفين، "أنا زرت محافظات كتير جدا عشان ألاقي لعيبة أعمارها السنية أقل من 20، عشان أبني فريق يقدر ينافس على مراكز عالمية بعد كام سنة، وفعلا في شهور قليلة بقة عندنا عدد كبير وبدأت اللعبة تتعرف على مستوى مصر كلها".
معايير عديدة لا بد من توافرها في لاعب كرة القدم الكفيف، مثل السرعة وخفة الحركة وقوة القدم والدقة في التصويب، إلا أن "الجرأة" كانت العامل الأبرز الذي حرص عليه "عبد الرحمن" في اختيار لاعبيه، وبدأ على تهيئتهم نفسيا قبل النظر إلى الأمور الفنية نظرا للظروف التي يمرون بها منذ بداية حياتهم، "الشخص الكفيف ممكن يكون عنده مشكلة إنه بيخاف يتخبط أو يقع على الأرض ويتعور، لكن أنا كنت بكسر الحاجز ده عندهم بإني أضرب لهم أمثلة بلاعيبة كتير مبصرين بيتصابو وبيعملو عمليات خطيرة وبيكملو، لحد ما بقى عندهم قوة في الملعب ومش خيفين من الاحتكاك".
نتمنى إنشاء اتحاد مستقل لكرة القدم للمكفوفين.. وانضمامنا لاتحاد المكفوفين العام يدمر اللعبة
أزمة التمويل كانت من الأشياء التي واجهت "عبد الرحمن" وفريقه في بداية مشوارهم، إلا أن الحل كان مع شركة "تيل سيرفس" التي عقدت توأمة مع نادي "أتلتكو مدريد" بإسبانيا، وقامت برعاية اللاعبين وتجهيز الملابس المطلوبة والكرات المناسبة للتدريب، إلى جانب إقامة بعض المباريات التجريبية إيذانا بانتقاء منتخب يمثل مصر في المحافل الدولية، "عملنا عدة مبارايات ودية بين لاعبيتنا وبعضهم في الجامعة الأمريكية والألمانية، لحد ما بقينا جاهزين لمباريات مع فرق دولية مخضرمة".
أمور طفيفة طرأت على ممارسة اللاعبين المكفوفين لكرة القدم ربما لا توجد لدى نظائرهم من المبصرين، فها هو قناع أبيض اللون يرتدونه على وجوههم خشية ارتطام الكرة بهم، نظرا لأمور قانونية تضمن سلامتهم أثناء اللعب وفقا للمدير الفني للمنتخب، "الفريقين بيلعبو 5 لعيبة ضد 5 مش 11 زي الكورة العادية، وأي لاعب يستلم الكورة ويمشي بيها لازم يقول كلمة متفق عليها عشان اللعيبة يعرفو مكانه وميجروش عكس اتجاه بعض ويحصل صدام ممكن يعورهم".
مشكلات عديدة تجنبها "عبد الرحمن" أثناء إعداد فريقه، أبرزها الابتعاد التام عن الاتحاد المصري لرياضات المكفوفين الذي كان سببا في عدم نجاح "كرة الجرس" في مصر بحسب قوله، "الناس دي بتوفر دعم مادي هزيل جدا ما يليقش بمجهود اللاعيبة، لدرجة إنهم ممكن يدوهم 900 جنيه على بطولة كاملة، وده السبب إن منتخب كرة الجرس ما حصلش على أي ترتيب عالمي في الفترة الأخيرة"، فضلا عن رغبة ذلك الاتحاد في تكوين فريق آخر لكرة القدم من المكفوفين المتقدمين في السن والذين لا يصلحون لتمثيل مصر في تلك اللعبة الوليدة وفقا له.
الحلم ماضٍ في طريقه، فها هو يوم الثاني من أكتوبر 2015 يشهد تنظيم مصر لأول بطولة دولية ودية لكرة القدم للمكفوفين، في تاريخها، بمشاركة منتخبات ألمانيا وفرنسا الذين يحتلان المركزين الثالث والرابع على العالم، وبحضور وزير الشباب خالد عبد العزيز وكبار نجوم كرة القدم في مصر وأساتذة التربية الرياضية في مصر، إلى جانب المئات من جماهير التي حضرت إلى مركز شباب الجزيرة لتشهد ذلك الحلم في مهده.
"خالد عوض".. أفضل لاعب في البطولة الدولية لكرة القدم للمكفوفين رغم مشاركة "أحسن لاعب في العالم"
"كفيف بيلاعب كفيف"، تلك هي كلمة السر التي استخدمها "عبد الرحمن" لتهدئة لاعبيه الذين بهرتهم سمعة الألمان والفرنسسين التي سبقتهم إلى القاهرة، "أول مباراة كانت مع ألمانيا، وكانو متوقعين يكسبونا بفارق كبير، ومع أول 5 دقايق فاجئنا كل الجمهور بتسجيل هدف وفضلنا مسيطرين على المباراة لحد آخر دقيقة لما هما إتعادلو معانا، ونفس الحكاية حصلت مع فرنسا اللي كسبتنا في آخر كام دقيقة في مباراتها، ولولا كده كنا كسبنا البطولة".
معسكرات عديدة تنتظر منتخب مصر لكرة القدم للمكفوفين خلال الفترة المقبلة بفرنسا وألمانيا، وتعهدات من مديره الفني بعمل أرضية حقيقية لتلك اللعبة في مصر وإنشاء عدد كبير من الأندية على مستوى الجمهورية، إلا أن مطلبا وحيدا يرجوه الكابتن محمد عبد الرحمن من الدولة المصرية التي لا تزال غائبة عن المشهد إلى الآن، وهو تشكيل اتحاد مستقل لكرة القدم للمكفوفين كما هو الحال في إسبانيا وإنجلترا، "إحنا كان المفروض ندخل بطولة إفريقيا اللي جاية لكرة القدم للمكفوفين، لكن ما إتوفقلناش لمجرد إننا مش منضمين لاتحاد رياضات المكفوفين، ولو فضل الوضع كده يبقى بندمر فكرة لسه في بدايتها".
خالد عوض، "صاحب البشرة السمراء"، أفضل لاعبٍ في البطولة الدولية لكرة القدم للمكفوفين، رغم مشاركة اللاعب الألماني "أليكس" الذي يعد أحسن لاعب في العالم، يروي حكايته مع كرة القدم التي كان المدرب المساعد للمنتخب أدهم محمد بطلها، "هو اللي جابني وعلمني أساسيات اللعبة ومهاراتها وخلا عندي قلب في الملعب، وعلمني إن ثقتي تكون زيادة وأنا عند الجون، وإني ما أتأثرش لو ضيعت فرصة، وشعوري كان ميتوصفش لما اختاروني أحسن لاعب رغم وجود لعيبة كتير عندهم خبرة سنين في اللعبة". طالب الصف الثالث الثانوي بمدرسة طه حسين للمكفوفين لم يكتف بتألقه كلاعب لكرة القدم للمكفوفين، وإنما يطمح للالتحاق بكلية الإعلام.
مهاجم منتخب المكفوفين: لن أنسى صوت الجمهور وهو بيهتف لنا باسم مصر
تجربة "إبراهيم علي"، طالب السنة الأولى بكلية الألسن قسم اللغة الإيطالية، مع كرة القدم للمكفوفين بدأت جذورها منذ صغره، حينما كان يحاول الاستحواذ على الكرة والمرور بها وسط عدد من اللاعبين والتصويب على المرمى، إلى أن وجد ضالته منذ عام، "كنت من أول المتحمسين لفكرة الكابتن لما جمعنا وبدأ يحفظنا قوانين اللعبة ويصلح لنا الأخطاء ويحفظنا أماكن بعض في الملعب، وكان حلم بالنسبة لنا إننا نشارك في بطولات دولية ونلعب زينا زي أي شخص مبصر". اللحظة التي لن ينساها مهاجم المنتخب المصري إبراهيم علي، القصير المكير، حينما نزل الملعب في الدقيقة الأولى لمباراة ألمانيا بمركز شباب الجزيرة، وسمع آلاف الحاضرين من الجماهير وهم يهتفون باسم مصر تشجيعا لهم، "ساعتها حسيت إني ليا قيمة وإني عملت حاجة لبلدي".