مشهد شديد التناقض صنعته لنا إدارة الدكتور مرسى خلال الأيام الماضية.
مشهد لرئيس ومؤسسات دولة تدير أزمة إقليمية بفاعلية، وتخفق فى التعامل مع أزمات داخلية متتالية وتصمت عنها سياسيا وتنفيذيا. مشهد يفرض ذاته علينا، ويدفع لتناوله بالشرح والتحليل.
تعاملت مصر مع الحرب الإسرائيلية على غزة بحسم منذ اللحظة الأولى، فسحبت سفيرها وتضامنت مع الشعب الفلسطينى وتحركت إقليميا ودوليا لإيقاف آلة الحرب الإسرائيلية. نجحت مصر فى الإسهام الفعال للوصول إلى وقف لإطلاق النار وتهدئة أو هدنة طويلة المدى، ووضعت أسس ترتيبات جديدة بين الفصائل الفلسطينية فى غزة وبين حكومة تل أبيب قد تنتج رفعا للحصار ومنعا كاملا لعنف إسرائيل المتكرر فى مقابل وقف صواريخ المقاومة. فى إدارتها للأزمة، عادت مصر لتصبح الطرف الإقليمى الرئيسى المعنى بالملفات الفلسطينية والمقبول دوره من أطراف الصراع المختلفة (إسرائيل، حماس والفصائل الفلسطينية، السلطة فى رام الله)، ومن الأطراف الدولية كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة. نحن هنا أمام فاعلية ونجاح، قد يتحولان لإنجاز إذا رُفع الحصار عن غزة واستعاد الفلسطينيون وحدتهم والأفق السياسى المطلوب بشدة لوقف النشاط الاستيطانى وبناء الدولة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى.
وفى مقابل هذه الفاعلية الإقليمية والدولية، حالة من اللافعل والتخبط بشأن الكثير من ملفات السياسة الداخلية على نحو شديد القرب من إدارة المجلس العسكرى للمرحلة الانتقالية. إلا أن المصريات والمصريين، وبغض النظر عن الموقف من الدكتور مرسى تأييدا أو رفضا أو تحفظا، ينتظرون من الرئيس المنتخب ما يتجاوز اللافعل والتخبط بكثير.
تعاملت إدارة الرئيس مع جريمة أسيوط بدرجة بادية من اللامبالاة ولم تفعّل معنى المسئولية السياسية والتنفيذية التى تقتضى بجانب التخلص من الوزير المسئول إعداد خطة عمل واضحة لضمان عدم تكرر قتل الأطفال أو غيرهم لكارثية الأوضاع فى مرفق النقل.
تعاملت إدارة الرئيس مع «محمد محمود 2» (منذ اليوم الأول وإلى لحظة كتابة هذه الأسطر) بتجاهل خطير واختزلتها بتزييف، شأنها فى هذا شأن المجلس العسكرى منذ عام، إلى أعمال عنف من جانب «بلطجية» ضد وزارة الداخلية.
والنتيجة هى عدم التزام الأمن بقواعد الاشتباك واحتواء العنف المتعارف عليها دوليا لعدم انتهاك حقوق الإنسان وحماية أرواح المتظاهرين وسلامتهم الجسدية، وكيف لهذا أن يحدث وتطهير وإعادة هيكلة الداخلية مسكوت عنهما.
والنتيجة هى زيارة رئيس الوزراء لمصابى الداخلية فقط وحالة الإنكار الحكومى المستمرة لوجود شهيد ومصابين على الجانب الآخر.
والنتيجة هى أن رئيس الجمهورية الصامت بشأن «محمد محمود» وحكومته يتحملان المسئولية السياسية والتنفيذية والجنائية لسقوط شهيد ومصابين. والنتيجة هى صعود الغضب لدى قطاعات شعبية واسعة باتت تنظر إلى حالة اللافاعلية الرئاسية والحكومية كأزمة خطيرة تحدث تداعياتها السلبية فى محمد محمود وأسيوط وفى الإخفاق فى تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وغياب التطهير والإصلاح لمؤسسات الدولة. والنتيجة هى رئيس، وإن كانت شرعيته الديمقراطية قائمة، لم ينجح بعد فى اكتساب صفة رئيس لكل المصريات والمصريين وما زال فى الوعى العام الدكتور مرسى رئيس الإخوان وأحزاب الإسلام السياسى الذى يترك لهم مجال اختراق بنية ومؤسسات الدولة ويمكنهم من تكميم أفواه المعارضين ويسمح لهم بالسيطرة على الجمعية التأسيسية لوضع الدستور.
مشهد إدارة مرسى المتناقض بين فاعلية خارج حدود الوطن ولافعل داخله، ودون الوقوع وكما أشرت أكثر من مرة فى مصيدة اليمين المصرى المتطرف والمفاضلة بين غزة وأسيوط ودون التنصل من ثوابتنا الوطنية والتزامنا بالقضية الفلسطينية، يهدد مؤسسة الرئاسة ودورها فى السياسة والمجتمع وينزع الشرعية عن الحكومة التى جاء بها الرئيس.