سامحنى يا قارئى العزيز، فأنا أشعر بحرج تناول موضوع علّمونا من الصغر أن الخوض فيه من الممنوعات التى تطاول المحرمات، لكننى سأستجمع شجاعة متوارية خلف برقع الحياء.. ذلك الذى نرتديه، نحن الشرقيات، بلا إرادة فى ثقافة باتت كوشم مرسوم على جدار أرواحنا، نخفى وراءه احتياجاتنا وحقوقنا الفطرية حتى فى أُُطرها الأخلاقية والشرعية، فنودعها مرافئ الكبت والحرمان، وهذا ما ولد كثيراً من العُقد النفسية والأمراض العضوية وصولاً إلى الانحرافات الأخلاقية.. وبعنصرية لا تخجل يظل المجتمع يدق دائماً على رؤوسنا ناقوس عدم تجاوز الأسلاك الشائكة والتمسك بشعبة واحدة من شُعب الإيمان السبعين، وهو الحياء، متجاهلاً 69 شعبة أخرى لو أقمناها، لأصبح للحياء متعة إضافية على قيمة حسن المعاشرة والعدل والإيثار والمودة والرحمة.. ولكننا حولناه لطوق حول عنق المرأة كى لا توصم بالفجور والمروق، فنخفى فى جلبابه الفضفاض القهر والظلم والأنانية والسادية والشذوذ النفسى كبعض جرائم المجتمع الذكورى تجاه المرأة.. وما نكأ الجرح الخفى إعلان لإحدى نجمات الأفلام (عفواً) الإباحية.. وهى تعلن أنها وبمنطقها الأخلاقى، مستعدة لأن تكون هى حور العين التى تقدم نفسها لذلك الانتحارى المُقدم على تلك الحماقة من أجل التمتع بتلك الحورية الوهمية فى العالم الآخر، وليجرب أن تكون هى حوريته الحقيقية من عالم الواقع، بدلاً من مخاطرة غير مضمونة وأنها مستعدة للقائه فى أى مكان فى العالم ومنحه سعادة تعلن بمنتهى الثقة (المستندة على خبرات لا تضاهى) أنه لن ينساها بشرط أن يقلع عن فكرة قتل الأبرياء.. (وأهو بجملت زبون زيادة).
والمسألة ببساطة أن تلك الجميلة المتاحة دائماً قررت أن تقدم خدماتها للإنسانية فى مجال تخصصها، مثلما يقوم الطبيب بالكشف المجانى على غير القادرين أو يقدم المطعم وجبات مجانية للمحتاجين.. قدمت تلك البائعة سلعتها مجاناً كعمل إنسانى لإنقاذ البشرية.. وبمنطق أن شر البلية ما يضحك، علق أحد العناتيل على الإعلان فى وسيلة التواصل الاجتماعى وبالمنطق الذكورى المعتاد.
- لكن الحور العين عذارى.. فتلك هى كل مشكلته؟؟
هالتنى الفكرة ورأيت فى لحظتها إلى أى هوة حقيرة انحدر بنا دعاة الإرهاب باسم الجهاد وتجار الدين.. الذين تتعدى زيجاتهم لفتيات أبكار عشرات المرات، لينافسوا فى كثير من الأحيان مغامرات الزناة مع فارق بسيط هو قطعة من الورق ومسميات متجملة لعملية المقايضة لشباب فتاة دقها الفقر والعوز، وأسرة لا تعرف الرحمة ليمتص صباها كهل قبيح أو عجوز يستعين بصيدلية متحركة للقيام بما هو لم يعد أهلاً له.. ثم بدلاً من مساعدة الشباب المحروم من أبسط حقوقه ومنحه المساندة النفسية والعملية، ليقوم بدوره الذى خلق له فى هذا العالم.. يزين له الشيخ الذى لا يشبع من نهل ملذات الحياة أن يغادر الدنيا باحثاً عن حقه فى عالم آخر.. فمن أى ماخور طفح علينا هؤلاء؟؟
لقد أصبح رجل الدين يدعو للموت وهلاك البشرية، بينما الداعرات يدعون للسلام والحب (بعيداً عن صناعته) إذن تلك الموصومة عندها شرف وخلق وإنسانية أكثر من هؤلاء المبتلى بهم الدين، بل وتحاول إنقاذ بشر قد يكونون من غير دينها أو عرقها.. وهنا لا أقصد مدح بائعات الهوى ولم ولن أجد لهن عذراً (فالحرة تجوع ولا تأكل بثدييها) ولكنى أصنف هؤلاء المجرمين فى مكانهم الحقيقى تجاه الإنسانية.. فى الدرك الأسفل من الموبقات بترتيب أدنى حتى من العاهرات بدعوتهم لقتل الآمنين من أبناء دينهم قبل الآخرين.. أما جريمتهم عند الله، فهو سبحانه وتعالى أعلم بهم وبما يستحقون (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)، فلنتأمل الآية الكريمة، لم تقل قتل مسلماً، بل عممت رفض استباحة الأنفس بكل انتماءاتها، فما بالنا بالقتل العشوائى للآمنين؟!
وأخيراً أذكّر نفسى بعدم الاستعلاء حتى على العصاة.. ويكفيهم ابتلاؤهم فى الحياة بما هم فيه.. وقد غفر الله لعاهرة سقت كلباً.. فالعبرة بالخواتيم، ولنبتهل إلى الله كى يهدى شبابنا ولا تكون تلك الدعوات العجيبة مدعاة لزيادة عدد الإرهابيين الراغبين فى التراجع عن المهمات الانتحارية.. وكله بثوابه.