«البدون» فى حلايب.. إحنا اللى مالحقناش وطن
«البدون» فى حلايب.. إحنا اللى مالحقناش وطن
«البدون» فى حلايب.. إحنا اللى مالحقناش وطن
مصريون بلا أوراق ثبوتية.. غربة داخل حدود الوطن «2-2»
يُولدون دون وثيقة، ويموتون دون شهادة، عدد لم يزُر دفاتر الدولة يوماً، لم يُعَدُّوا بين الأحياء ولم يُحسبوا رقماً وسط الأموات، يعيشون خارج حدود الحياة، رغم أنهم بين حدود وطن اختاروه ولم يعبأ بهم.
هناك بالقرب من شاطئ البحر الأحمر، فى أقصى جنوب مصر، يعيشون فى أكواخ خشبية متهالكة، ليس لديهم أى حقوق، ولا يملكون من أمرهم شيئاً، «البدون» فى مثلث حلايب وشلاتين، يعيشون غرباء داخل حدود الوطن.
فى مطلع التسعينات أعاد الجيش المصرى مثلث حلايب إلى الإدارة المصرية بعدما ظلت منذ عام 1902 تتبع الإدارة السودانية، وكل مَن فيها يحمل أوراقاً ثبوتية سودانية، وبدأ الجيش المصرى فى عملية عرفت بـ«تمصير» المنطقة، التى تشمل إعطاء أوراق ثبوتية مصرية وتعليم أبناء جبال البحر الأحمر اللغة العربية، لغة الدولة فى ظل استخدامهم لـ«الرطانة»، أى اللغة المحلية غير المفهومة، ولكن سقط خلال عملية الحصر عدد كبير من أبناء قبائل العبابدة والبشارية سواء سهواً أو عن عمداً، بخلاف قبائل كالرشايدة والأتمن والهدنداوة تعيش دون أى ورقة ثبوتية، وآخرون يحملون بطاقات ورقية بالية لا تفيدهم ولا تنفعهم.
هم اختاروا مصريتهم، بإرادة كاملة، ولكن اليوم مصر تلفظهم من سجلاتها، إذ زحف بعض أبناء القبائل من أهل المنطقة نحو الجنوب مع مجىء الجيش المصرى، للعيش تحت الإدارة السودانية، فيما اختاروا هم أن يكملوا حياتهم على تلك الأرض، كما اختاروا أيضاً «المصرية» جنسية لهم، ولكن فوجئوا بأنهم سقطوا من حسابات الدولة، سقطوا من سجلاتها، لم يدرجوا ضمن أوراق الثبوتية، فعاشوا من دونها، عاشوا بلا أوراق ثبوتية أو جنسية، كأن الشاعر محمود درويش تحدث بلسانهم حين قال: «هذه الأرض لى.. وكنت قديماً.. أحلب النوق راضياً ومولَّه.. وطنى ليس حزمة من حكايا.. ليس ذكرى وحقل أهلّة».