رغب البعض فى أن يقوم الأزهر الشريف بتكفير الشيعة الإثنى عشرية التى تدين بها الجمهورية الإيرانية نكاية فى ثورة الخمينى.. لكن الأزهر رفض ذلك رغم الإغراءات الكثيرة وقتها.. وذلك لعلة بسيطة، أنه لا يجوز تكفير المسلم.. والأزهر مهمته الدعوة والهداية وليس التكفير وإدخال الناس فى الإسلام، وليس إخراجهم منه بتكفيرهم أو تفسيقهم.
ورغب البعض هذه الأيام فى أن يقوم الأزهر بتكفير الحوثيين اليمنيين، وبعضهم يدين بالمذهب الزيدى الشيعى، وآخرون منهم يدينون بالمذهب الإثنى عشرى.. لكن الأزهر رفض ذلك أيضاً، لأنه هادٍ لا مكفر، وداعية وليس قاضياً، ويبشر ولا ينفر، ويجمع ولا يفرق، ويقرب ولا يباعد.. مهمته تبليغ الرسالة وليس تكفير الخلائق، حتى إن أخطأوا أو تمردوا أو ظلموا.
قد يخالف بعض الشيعة صحيح الإسلام، وما كان عليه الصحابة والتابعون، لكن هذه المخالفات لا تبرر تكفيرهم.. وهذه الأخطاء تحتاج إلى الهداة والدعاة، وليس التكفير والصدام.
ورغب البعض فى وقت آخر، فى أن يقوم الأزهر بتكفير «داعش»، نظراً لما تقوم به من جرائم بشعة، لكن الأزهر أدان «داعش» وجرائمها ورفض أن يكفرها كذلك.. لأن الكفر مسألة عقائدية، وتعنى الطرد من رحمة الله.. والأزهر ليس بواباً على أبواب الجنة يُدخل من يشاء ويخرج من يشاء.. والأزهر ليس تكفيرياً وإلا لتساوى مع «داعش» وغيرها من الجماعات التكفيرية.
الأزهر رفض وأدان كل جرائم «داعش»، لكن جرائم الخوارج أمثال «داعش» تختلف عن الخروج من الدين نفسه.
لقد اقتدى الأزهر الشريف بالإمام العظيم والخليفة الراشد على بن أبى طالب، الذى قام الخوارج بتكفيره ظلماً وعدواناً وبغياً.. لكنه رفض أن يكفّرهم كما كفّروه، أو يظلمهم كما ظلموه، أو يخرجهم من رحمة الله، كما أخرجوه.
لقد كان الخليفة العظيم على بن أبى طالب عادلاً مع خصومه الذين لم يعدلوا معه.. هو يختلف عن الميليشيات الشيعية العراقية وغير العراقية التى كلما حرّرت قرية أو مدينة من احتلال «داعش» عاثت فيها فساداً وذبحت الأطفال وأحرقت البيوت واغتصبت النساء، وفجّرت مساجد السنة.. فما الفرق بينها وبين «داعش»؟!!
إن الذى يريد أن يحارب «داعش» حقيقة، أو أى ظالم أو تكفيرى، لا بد أن يحاربه بالحق والعدل، وليس بالطائفية والقتل بالاسم والقتل بالمذهب.
الحروب العادلة فقط هى التى تهزم الظلم والبغى.. لقد نشأت «داعش» وتمدّدت لعدة أسباب، منها بغى الميليشيات الشيعية المنافسة التى تقوم بمذابح يندى لها الجبين.
ولعل التعذيب الطائفى الذى حدث لبعض أهل السنة فى سجون لبنان، الذى أذاعته كل الفضائيات، هو نموذج للطائفية البغيضة التى تغذّى التكفير البغيض، وكلاهما وجهان لعملة واحدة من التطرّف الذى سيضر أهله وفاعليه، قبل أن يضر الإسلام والأوطان.
لقد حارب الخليفة العظيم على بن أبى طالب الخوارج وهم يشبهون «داعش» الآن فى كثير من أمورهم، خاصة قضايا تكفير المسلمين.. وهزمهم وقتل قائدهم، لكن الحرب شىء والتكفير شىء آخر.. وحينما سُئل الإمام على عن الخوارج قال: «هم من الكفر فروا.. لأنهم قالوا لا إله إلا الله محمد رسول الله».. وقرر الإمام أنهم من البغاة بقولته الشهيرة: «هم إخواننا بغوا علينا».. ما أحكمك وأعدلك وأعظمك يا سيدى.
ولذلك أقر الأزهر حرب «داعش» والميليشيات الشيعية الباغية التى تقتل بالاسم أو المذهب أو تفجر المساجد ورفض فى الوقت نفسه أن يكفّرهم.. لأن التكفير يعد حكماً دينياً أخروياً فى الأساس.. وهو لا يناط بالدعاة، لكنه يناط بالقضاة بعد إجراءات معقّدة.
والتكفير هو حكم على شخص، وليس على طائفة أو طوائف.. قد تكون بين أفرادها من التباينات الفكرية والعقائدية الكثير.. فـ«داعش» فيها مئات الآلاف من المسلمين، يختلف كل واحد منهم عن الآخر.. ولا يجمعهم حكم عقائدى واحد، وكذلك الميليشيات الشيعية التى تقتل وتذبح السنة أو تفجّر مساجدهم.
فالتكفير حكم على الشخص وليس على طائفة.. والمسلم لا يكفر بأعمال الجوارح، وكما «أن المسلم لا يدخل الإسلام إلا باختياره فهو لا يخرج منه إلا باختياره»، وكل من يكفّر طائفة من المسلمين فإنه يجمع هذه الطائفة بتبايناتها واختلافاتها الفكرية والعقائدية والإنسانية تحت حكم واحد، وهذا باطل.
والحرب والقتال يختلفان عن التكفير.. فالحرب والقتال مناطهما العدوان والبغى، وليس مناطهما الكفر أو اختلاف الدين أو العرق، فقد تحارب مسلماً يعتدى عليك، وقد تسالم غير مسلم يسالمك أو يعاهدك أو لا يعتدى عليك.
فقد حارب سيدنا على بن أبى طالب الخوارج، رغم أنه لم يكفّرهم، ورغم تكفيرهم له، فإنه أبى أن يكفّرهم، ورغم عدوانهم، فقد قاتلهم قتال «البغاة»، وهو أول من سنّ هذا النوع من القتال فى الشريعة الإسلامية.. وكان ينهى عن قتل أسرى الخوارج، أو التذفيف على الجرحى منهم، أى الإجهاز عليهم رغم قتلهم بعض الصحابة والتابعين.
إن الأزهر الشريف لا ينطلق فى أحكامه على الناس من منطلقات سياسية أو إقليمية أو دولية أو تمشياً مع رغبات البعض أو أهوائهم أو تحركاً مع رياح الدول الكبرى ورغباتها، إنه يدور مع الشريعة حيث دارت ومع القرآن حينما حل وارتحل.
وهذا فهمى لرسالة الأزهر، ولست متحدثاً نيابة عنه، لكن هذا فهمى لهذه القضية الشائكة التى أثارها البعض وجعلوا يلوكونها بألسنتهم «الأزهر لم يكفّر داعش»، ورغم أنها فضيلة ومكرمة ووقوف عند الشريعة، فإن البعض اعتبروها سوءة لأنهم يكرهون الأزهر من جهة، ولا يفقهون الشريعة من جهة أخرى.
فالأزهر لا يكفّر المسلمين، لكنه يهديهم حتى إن أخطأوا، وهو كالأب لأبنائه.. فهل وصلت الرسالة.