رحلات التشيُّع: القاهرة طهران وبالعكس
رحلات التشيُّع: القاهرة طهران وبالعكس
لقاء يجمع أحد أئمة الشيعة بالشباب
حاول الإيرانيون جاهدين، إيجاد موطئ قدم لهم فى مصر بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ولم يهدهم عقلهم إلى ما يرقى إلى درجة الابتكار، فقلّدوا الرئيس جمال عبدالناصر، أول من أطلق مصطلح الدبلوماسية الشعبية، كنوع من الضغط على الحكومة المصرية.. رحلات شهرية وربما أسبوعية نظمها الإيرانيون لكل طوائف الشعب المصرى، بدءاً من أعضاء الأحزاب والساسة، ومروراً بالصحفيين والإعلاميين والفنانين، وانتهاءً بالصوفية وأبناء العائلات الكبرى فى صعيد مصر، استهدفت خلالها تجميل صورة الدولة الفارسية من جانب، فضلاً عن محاولة استقطاب عناصر مصرية لتكوين لوبى قوى، سواء على الصعيد السياسى والإعلامى، أو على الصعيد الشعبى، من جانب آخر.
الحرس الثورى أنفق ملايين الدولارات على الدبلوماسية الشعبية والهدف: خلق لوبى قوى لتجميل صورة إيران
وعادة ما يكون برنامج الرحلة للإعلاميين والساسة معلوماً للجميع، ويتم فى العلن، حيث تقوم تلك الوفود بعقد لقاءات مع المسئولين والمثقفين فى طهران، تتناول قضية الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب، والتعاون ضد «العدو الإمبريالى» الساعى إلى استعمار دول المنطقة، فضلاً عن العدو الأساسى لمصر ودول الشرق الأوسط، المتمثل فى الدولة الصهيونية، ودائماً ما تكون مسئولية ترتيب ومتابعة تلك الرحلات مقسّمة ما بين «الخارجية» وقسم يُدعى «حركات التحرر» فى جهاز الحرس الثورى الإيرانى، وهو القسم المسئول عن تصدير الثورة الإسلامية تنفيذياً.
تبدأ الرحلة من مطار طهران إلى فندق بوسط العاصمة، وسط رقابة صارمة على جميع أعضاء الوفد بكاميرات مراقبة فى غرف الفنادق والسيارات المستخدمة فى التنقّل، وحتى فى اللقاءات العامة مع الشخصيات الإيرانية، وتتصل دائماً تلك الكاميرات بغرف عمليات، لمتابعة الزوار، فرداً فرداً، وسط اهتمام إعلامى من الصحف والقنوات المحلية، ويكون بين أفراد الوفد عنصر أو عنصران من المصريين الذين نجحت إيران فى استمالتهم، لرصد تحركات أعضاء الوفد وتوفير بيانات ومعلومات كاملة عنهم.
وتجذب انتباه الرجل العادى رحلات الوفود الشعبية من صعيد مصر إلى طهران، الذين يتم اختيارهم بعناية، فإما أن يكون أعضاء الوفد من التابعين للطرق الصوفية، أو أنهم من القبائل والعائلات الكبرى، أو من المستبصرين، وهو لفظ يطلق على مَن بدأ التحول نحو المذهب الشيعى، وتتسم الزيارة بطابع دينى أكثر من كونها زيارة إلى دولة، ويقوم على ترتيب تلك الزيارات الشعبية المجمع العالمى لآل البيت المدعوم من «خامنئى» شخصياً، ومن أموال الخُمس تحديداً، وتشمل الرحلة زيارة إلى الحوزات العلمية وكبار رجالها، فضلاً عن زيارة ضريح «الخمينى»، ومنزله البسيط، إلى جانب زيارة الأضرحة والمقامات الأخرى، مثل ضريح السيدة فاطمة، وضريح الإمام على بن أبى طالب.
وتستغرق الرحلة ما يقارب الأسبوع، على نفقة الدولة الإيرانية، بدءاً من تذاكر السفر والإقامة، وانتهاءً برحلات الطيران الداخلية، من طهران إلى مشهد وقم، والعكس، إلى جانب زيارة جامعة المصطفى العالمية التى تُعد من أهم المؤسسات الدينية المعنية بنشر الفكر الشيعى فى جميع دول العالم، ويتم خلال تلك اللقاءات تحسين صورة الشيعة ونبذ الفرقة بين المسلمين وتحريم سب الصحابة، مستندين إلى أدلة فقهية من بعض المراجع الفقهية، رغم أن الواقع لا يعكس الحقيقة على الأرض.
للأسف الشديد، خلقت تلك الرحلات اللوبى الإيرانى فى مصر، سواء على الصعيد الإعلامى أو السياسى، حيث ينشط كثير من الإعلاميين من آن إلى آخر فى إثارة قضية عودة العلاقات المصرية - الإيرانية، مرددين ما يسمعونه فى جلساتهم مع المسئولين الإيرانيين خلال تلك الرحلات: «مصر تقيم علاقة دبلوماسية مع إسرائيل، ولا تقيم علاقة دبلوماسية مع طهران».