عندما يخاطب رئيس جمهورية، منتخب وليس مغتصباً للسلطة، الرأى العام فى ظرف أزمة مجتمعية وسياسية حادة، يكون المتوقع منه هو تقديم ثلاثة أشياء: «تفسير وتقدير موقف وحل».
فى مصر التى تمر بانقسام مجتمعى واستقطاب سياسى خطيرين بسبب إعلان استبدادى أصدره الرئيس وتأسيسية للدستور كارثية فى تشكيلها وعملها ومنتجها النهائى، خاطب الرئيس المنتخب محمد مرسى الرأى العام أول أمس (فى حوار مع تليفزيون الدولة)، فلم يقدم لا تفسيراً ولا تقديراً للموقف ولا حلاً.
تجاهل الدكتور مرسى الأزمة التى صنعها بإعلانه الاستبدادى، وبرر الأخير بمقولات الاستقرار والضرورة والمدة الزمنية المؤقتة، دون أن يوضح للمواطنات والمواطنين كيف سيُنتِج إعلانه الاستقرار وهم لا يرون إلا أزمة تستحكم حلقاتها، ودون أن يوضح لهم وجه الضرورة فى انتزاعه لصلاحيات مطلقة، ودون أن يتعامل مع الشكوك المشروعة بشأن الاستبداد المؤقت.
تجاهَل الرئيس المنتخب المشهد العبثى الذى كان مستمراً بالجمعية التأسيسية وحواره يذاع على الهواء، جمعية منقوصة بعد انسحابات مؤثرة بين أعضائها، وعلى الرغم من رفض شعبى من قطاعات واسعة وشبهة البطلان القانونى التى تحيط بها، تمرر مواد دستورية تعصف بالحقوق والحريات وتصنع هندسة غير ديمقراطية للنظام السياسى.
تجاهَل الرئيس عبثية المشهد وجوهر الأزمة الواضح به وخطورته على مصر، بل وحاول تجاوزه بالحديث عن أهمية تمرير الدستور وبسرعة.. لكن غاب التفسير.
تحدث الدكتور مرسى، فغاب تقدير الموقف أيضاً. لم يأتِ رئيس الجمهورية على ذكر جملة واحدة تحمل تقديراً واقعياً لأزمة إعلان الاستبداد وأزمة الجمعية المشوهة التى أعدت دستوراً مشوهاً. لم يأتِ على ذكر جملة واحدة تقدر بجدية مطالب المعتصمين والمتظاهرين بشأن إسقاط الإعلان وعدم الاعتراف بشرعية دستور التأسيسية. لم يأتِ على ذكر جملة واحدة تتعلق بمطالب القوى الوطنية وموقفها الذى بات يرى شرعية الرئيس على المحك. استبدل بكل هذا حديثاً عن سعادته بالمسيرات والتظاهرات والاعتصام وكفالته لحرية التعبير عن الرأى، ومسئوليته عن رعيته (فى لغة الدولة العصرية المواطنات والمواطنين)، وكأن المتوقع من رئيس الجمهورية هو الشعور بالسعادة فى ظرف أزمة، وليس تفسير وتقدير الموقف بجدية، ومن ثم البحث عن مخارج وحلول.. غاب تقدير الموقف.
خاطب رئيس الجمهورية الرأى العام فى ظرف أزمة مستحكمة، فغابت كذلك الحلول المقترحة.
تمسك الدكتور مرسى، الذى يعلم أكثر منا ويشعر أن 90 بالمائة
منا يؤيدونه، كما ذكر بأبوية وديكتاتورية واضحة فى حوار «التايم»، بإعلان الاستبداد، ولم يظهر مرونة فى مسألة الجمعية التأسيسية ودستورها.
تمسك الرئيس بالاستعلاء على مطالب قطاعات شعبية خرجت فى مليونيات حاشدة، فلم يُشر لا إلى إلغاء للإعلان ولا إلى تجميد له ولا حوار وطنى ملزم حول النص الدستورى الذى خرج من الجمعية التأسيسية، بل لم يحمل حديث الرئيس المنتخب دعوة لمعارضيه إلى الانفتاح عليه وتشديد على انفتاحه عليهم فى ظرف الأزمة، وهو أضعف الإيمان.
ظهر الرئيس معولا فقط على أدواته هو وعلى جماعته ومؤيديه، ومقتنعاً بقدرته على الخروج من الأزمة كالمنتصر الوحيد.. غابت الحلول.
إن استمرت هذه الغيابات، لن ينجح الدكتور مرسى فى إدارة أزمة إعلان الاستبداد وأزمة الدستور المشوه. إن استمرت هذه الغيابات، سيفقد شرعيته التى استمدها من الانتخابات التى جاءت به رئيساً. إن استمرت هذه الغيابات، ستكون مصر مع أزمة ممتدة لن تساعد، لا على الانتقال الديمقراطى ولا بناء مؤسسات النظام السياسى الجديد.