لا الإعلان الدستورى ولا مسودة مشروع الدستور هما وحدهما أساس «الخراب» الذى يهدد مصر الآن، هناك ظاهرة أعمق كثيراً من هذا الإعلان وذلك الدستور، هى ظاهرة هذا «المحفل» الضخم الذى يضم الإخوان والسلفيين والجماعات الجهادية وهو محفل أقرب ما يكون إلى التنظيمات الماسونية التى تخطط فى سرية تامة وتمنح أعضاءها حق الكذب على الناس وحق استباحة كل من ليس عضواً فى هذا المحفل الغامض وحق استخدام الآخرين «مطايا» لتحقيق مكاسب قريبة وبعيدة.
والخطير جداً فى هذا «المحفل الإخوانى السلفى» ليس فقط هو كفرهم بالديمقراطية واحتقارهم لحق الآخرين فى الرأى والتعبير، ولكن الأهم من ذلك كله هو هذا «التوحد» المطلق فى الرأى والتوجه والموافقة الكاملة على كل ما جاء فى الإعلان الدستورى وفى مسودة مشروع الدستور، إذ يكاد أن يكون مستحيلاً أن تعثر على شخص واحد ينتمى إلى هذا المحفل يرفض شيئاً مما جاء فى الإعلان أو نصاً فى مشروع الدستور أو جملة قالها الرئيس مرسى فى خطاباته أو خطبه فى المساجد فكل ما صدر عن مرسى وما يصدر عن مكتب الإرشاد وكل ما جاء فى الإعلان وفى مشروع الدستور هو فى رأى هؤلاء الناس «تنزيل مقدس» لا يأتيه الباطل ولا يشوبه عوار.
أليس غريباً، بل أليس مرعباً، ألا نجد شخصاً واحداً من نخبة الإخوان والسلفيين والجهاديين ولا شخصاً واحداً من أتباعهم يعلن موقفاً مغايراً أو يختلف مع الرئيس أو يرفض شيئاً مما ورد فى الإعلان أو نصاً جاء فى مشروع الدستور؟
إن هذه الظاهرة لا يمكن العثور لها على تفسير فى علوم السياسة وحدها؛ لأن هذا الإذعان الأعمى وهذه الموافقة الجماعية المطلقة لكل أداء نظام حكم الإخوان من جانب أنصارهم، ليست تعبيراً سياسياً على الإطلاق وإنما هى شىء آخر يمكن أن نعثر له على أوصاف منضبطة فى علم نفس الجماعات المنظمة التى تشكلت فى السراديب والأركان المظلمة، ثم خرجت فجأة إلى النور.
لقد تأكد لى ولغيرى أن هؤلاء المنضوين تحت لواء الإخوان وأنصارهم يتعاملون مع الشعب المصرى كله بوصفه شعباً مجرماً يستحق العقاب، وليس هناك أدل على ذلك أكثر من أساليب الخداع والغدر التى تعامل بها الإخوان مع كل القوى الوطنية، فقد استخدموا رموز هذه القوى فى الوقوف مع مرسى فى انتخابات الإعادة ضد الفريق شفيق وما إن نجح مرسى حتى أبعدهم عن طريقه، ثم تركهم لقمة سائغة فى أفواه أنصار وخطباء المساجد الذين أشبعوهم سباً وقذفاً وإهانة، وها نحن الآن نشاهد أعضاء هذا المحفل يحاصرون الشعب كله ويضعون الجميع فى مرمى خطرهم الكارثى: إما أن نترك لهم كل شىء، أو يهدموا الوطن فوق رؤوسنا!
الأهم من كل ذلك أن «غربة» المصريين فى وطنهم تعمقت أكثر مما كان عليه الحال فى ظل نظام مبارك.. وخلال خمسة أشهر فقط من حكم مرسى وجماعته ومكتب إرشاده تحول الأمر تماماً لتصبح جماعة الإخوان هى وحدها الجماعة «الشرعية» وليصبح الشعب المصرى كله جماعة «محظورة»!