أخيراً وبعد أن وقفت مصر بكاملها على حافة الخراب والحرب الأهلية، ظهر الرجل الغامض فى مؤتمر صحفى عقده صباح أمس، ليكشف مرة أخرى، وبما لا يدع مجالاً للشك، أنه المسئول الأول عن كل هذا الخراب. بالطبع، أقصد الدكتور محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان، الذى سكت طويلاً قبل أن يدلى بحديث ينطوى على مغالطات فادحة وتحريض مفضوح وتدخل آثم فى أعمال السلطة القضائية وتهديد مروع للشعب المصرى ولكل من تسول له نفسه معارضة مرسى أو إعلانه الدستورى أو دستوره الملفق.
بدأ المرشد حديثه بالاستنكار الشديد للأقوال التى تتردد عن أنه يحكم مصر، واتخذ من الاعتداء على مكتبه بالمقطم دليلاً دامغاً على أنه لا يحكم مصر، ثم انتقل إلى الدفاع عن جماعته وإنكار التهم المنسوبة إليها بالاعتداء على المتظاهرين، وطالب من لديهم أدلة بتقديمها إلى الجهات المختصة، وبعد أن وصف المعارضة للرئيس مرسى بأنها «فساد واستبداد وإجرام»، قال وهو فى كامل وعيه: إن التجربة التى مضت مُرة ولن تتكرر، وسوف ندافع عن أنفسنا وعن ثورة مصر ودستورها مهما كانت التضحيات.
ولأنه يدرك جيداً خطورة التهديد بالدفاع عن «دستور الإخوان المشبوه»، مهما كانت التضحيات، فقد لجأ -على الفور- إلى تخيير «الشعب» بين هذه الحرب الأهلية أو التغيير من خلال «صندوق الانتخابات»، موضحاً أن الذين يرفضون الدستور ويطالبون بتعديله قبل الاستفتاء عليه، تقف وراء مطالبهم «مصالح واتجاهات وأموال لا تريد لمصر خيراً»!
هكذا وببساطة مذهلة نحن مخيرون بين تضحيات الإخوان، دفاعاً عن الدستور وبين «دستور» بدأت كل مساجد مصر التى يُسيطر عليها الإخوان والسلفيون فى دعوة المصلين إلى التصويت بـ«نعم» عليه، لأنه يعبر عن شرع الله، ومَن يرفض شرع الله فهو بالضرورة كافر وفاسق ومموَل من الخارج. الخطر الآخر فى أقوال المرشد يتمثل فى التعليمات التى أصدرها للنائب العام ولنيابة شرق القاهرة «بإعادة ضبط المتهمين المتلبسين فى أحداث قصر الاتحادية الذين تم الإفراج عنهم أمس وتتبُعهم لمعرفة الحقيقة».. ثم عاد مرة أخرى ليقول، وهو فى كامل وعيه أيضاً، لا بد من التحقيق مع مَن تم الإفراج عنهم، لأنهم متلبسون.
إن هذا الاعتراف العلنى لمحمد بديع يضعه على الفور تحت طائلة القانون بوصفه المسئول الأول عن هذه الجريمة المنظمة التى أدت إلى حرب أهلية بين المصريين، سالت فيها دماء وأزهقت فيها أرواح وتعرض خلالها مئات المواطنين للخطف والتعذيب قبل تسليم العشرات منهم للشرطة التى لم تقم بواجبها المهنى والقانونى، وسمحت لأعضاء الإخوان الذين احتجزوا هؤلاء المواطنين وعذّبوهم، بالانصراف من القسم، ولم تقم بالقبض عليهم وتقديمهم للنيابة، وقامت بدلاً عن ذلك بتقديم الضحايا للنيابة العامة.
لقد تأخرت النيابة فى الإفراج عن معظم المخطوفين بسبب الضغوط الشديدة التى قيل إنها تعرضت لها، وها هى تتعرض علناً لإملاء آثم من المرشد العام للإخوان بضرورة إعادة التحقيق مع المفرَج عنهم لأنهم «متلبسين»، وكأن القانون أعطى لمحمد بديع وأعضاء جماعته سلطة القبض على المواطنين وانتزاع اعتراف قسرى منهم تحت التعذيب قبل تسليمهم إلى الشرطة.
وإذا كان الرجل يهددنا بأن ما حدث من مظاهرات واعتراضات على الدستور لن يتكرر.. وأن الإخوان سيدافعون عن أنفسهم وعن ثورة مصر! وعن دستورها، مهما كانت التضحيات، فإنه بذلك يضع نفسه وجماعته فوق مؤسسة الرئاسة، التى دعت القوى الوطنية إلى حوار أطاح به المرشد وبنتائجه قبل أن ينعقد، كما أنه يدفع بالوطن كله إلى هاوية كارثية، لا أعرف لماذا يصر عليها هذا المرشد، وهى ليست فى مصلحة أحد إلا الجماعات الماسونية التى أشار إليها الأستاذ ثروت الخرباوى، العضو السابق بجماعة الإخوان، فى كتابه «سر المعبد».
ولهذا أناشد المنظمات الحقوقية والقانونية أن تتوقف طويلاً أمام تصريحات هذا الرجل ومَن معه فى مكتب الإرشاد، وأن تسارع فى الدفع به إلى تحقيق قضائى عادل، طبقاً لقاعدة «مسئولية المتبوع عن تابعه».. فهو بأقواله وتهديداته المسئول الأول عن الدفع بأعضاء جماعته وبالمصريين جميعاً إلى مستنقع الخراب والدم الذى يتهددنا بمصير مفجع.